والحيوانات مستغرقة في نور صفته ، وهي الرحمة الصفاتية والعقلاء من الجن والأنس والملائكة مستغرقون في فوز ذاته وهي الرحمة الذاتية القديمة من جهة تعريفهم وربوبيته ووحدانيته ، وهم من جهة الأجسام وما يجري عليها في الرحمة العامة ، ومن جهة الأرواح وما يجرى عليها في الرحمة الخاصة وهم فيها بالتفاوت ، فبعضهم في رؤية العظمة ذابوا ، وبعضهم في رؤية القدم والبقاء تاهوا ، وبعضهم في رؤية الجلال والجمال عشقوا فطاشوا ، ومن خرج من مقام الرحمة إلى أصل الصفة ، ومن الصفة إلى أصل الذات استغرق في الراحم وفني عن الرحمة فصار رحمته للعالمين ، وهذا وصف نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنه وصل بالكل إلى الكل ، فوصفه برحمة الكل بقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).
ثم خصّ رحمة الخاص الصفاتية بعد أن عمّ الكل برحمته العامة للمتفردين بالله عن غير الله ، الفانين بعظمته في عظمته ، الذين بدلوا وجودهم لحق ربوبيته عليهم بقوله : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) أي : يتقون في محبة مشاهدته عن كل مألوف ومحظوظ دونه ، ويؤتون الزكاة ، يتقربون إليه بذبح نفوسهم لديه.
(وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) يشاهدون مشاهدا في رؤية آياتنا.
قال الواسطي في قوله : (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) ذلك في نفس العارف ما عرفه أحد إلا تكدر عيشه ، وأرباب الحقائق ألا يعذبون في الدنيا إلا بتواتر نعم الله عليهم والتقرب ، حتى يرد عليه ما منه بغيب من الصفات والنعوت ، فيرتفع عنه سوء الأدب في السير.
وقال الكتاني رحمهالله : تسمع كل شيء ، لكن خصّ بها الأتقياء ، قال الله : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ).
وقال أبو عثمان : لا أعلم في القرآن أنه يقنط من قوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) والناس يرونها أرجى آية ، وذلك أن الله يقول : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ، ومن يمكنه بصحيح التقوى فتكون بشرط الآية.
وقال بعضهم : وصف العذاب بصفة الخصوص مقرونا بالمشيئة ، وعمّ الرحمة أنها تسع كل شيء ، ثم وصف الله هؤلاء المتقين بالأسوة والقدوة والاقتداء في تقواهم بالنبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ).
وصف الله نبيه صلىاللهعليهوسلم بالأمية ، كان عليهالسلام أميا بأنه كان قبل الكون في بحر الوصلة ومهد القربة ، شرب ألبان النبوة والرسالة والاصطفائية من ثدي مرضعة خاصة الأزل ، كان أميّا