نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦))
قوله تعالى : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) : وصف الله قوما من أمة كليمه عليهالسلام ، الذين وصل إليهم ما منّ الله على موسى بكشف الأنوار لأرواحهم ، وفتح آذان قلوبهم لسماع خطابه ، هم وجدوا الله بالله ، واتّصفوا بصفاته ، فأخبر الحقّ عن اتّصافهم بصفاته ، حيث قال : (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) : والهداية صفته ، أي : يهدون بنور الله عباد الله إلى الله لا بهم ، وهم على الحقّ لا بصورة العماء والغلط والظنون والحظوظ ، (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) أي : بعدله وباتّصافهم بعدله ، يعدلون بين الحقّ للحقّ ، لا لأنفسهم يتّصفون بالله لله ، لا يخافون لومة لائم : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) [المائدة : ٥٤].
قيل : يدلون الخلق على طريق الحق ، وإيّاه يسلكون ، ثم وصف الله قوم موسى بأنهم على اثني عشر طريقا من طرق المعارف ، بقوله : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) (١).
وجعل ضرب موسى الحجر مثلا لانفتاح قلوبهم مشارب الألوهية ، بقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) : ضرب يد الأحدية بعصا العناية صفوان الأزل ، فظهر من عيون القدم ، وبحار الأولية لأرواح الموحّدين ، وقلوب العارفين ، وعقول العاشقين ، وأسرار الشائقين ، وهمم المحبّين ، وأفئدة الموقنين ، وخواطر المكاشفين ، وصدور المشاهدين ، وعلوم السالكين ، ونيّات الصادقين ، ومزار نور الراضين ، ووجود المريدين (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) : من عيون الصفات الخاصة لعرفان أهل العيان.
منها : عين القدم ، وهى مشرب أرواح الموحّدين.
ومنها : عين البقاء ، وهي مورد قلوب العارفين.
__________________
(١) قال ابن عجيبة : (أسباطا) : بدل لا تمييز ؛ لأن تمييز العدد يكون مفردا ، والتمييز محذوف ، أي : فرقة أسباطا. وقال الزمخشري : يصح تمييزا ؛ لأن كل قبيلة أسباط لا سبط ، فكأنه قال : وقطعناهم اثنتي عشر سبطا سبطا. والسبط في بني إسرائيل كالقبيلة عند العرب ، و (أمما) : بدل بعد بدل على الأول ، وعلى الثاني بدل من أسباط. يقول الحقّ جلّ جلاله : (وقطّعناهم) أي : بني إسرائيل : فرقناهم (اثنتي عشر أسباطا) ؛ اثني عشر سبطا ، (أمما) : متميزة ، كل سبط أمة مستقلة. البحر المديد (٢ / ٣٠١).