فلمّا كمل في ثنائه ، ووصفه بأحسن الوصف ، أمر الجمهور بمتابعته ؛ ليجدوا بنوره مناهج معرفته ، بقوله : (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) : جعل متابعة نبيّه مفاتيح فواتح خزائن كنوز معارف ذاته وصفاته ، أي : اتبعوه بنعت المحبّة ، ووصف الاقتداء بالسنّة بغير المخالفة ، لعلّكم ترشدون مشاهد أنوار الذات في الصفات ، ومساقط تجلّي الصفات في الأفعال ، وهذا وصف من تجانس له فطرة الولاية ، فطرة النبوة والرسالة.
فإذا وصل نور الرسالة إلى نور الولاية ، ظهرت طرق المعرفة لأهل الخالصة من المشاهدة ليس علّة المعرفة المتابعة ، ولكن علّة المتابعة المعرفة ؛ لأنّ منها ينشعب جميع المعاملات السنّيّة ، والحالات الشريفة ، فالمتابعة تكليف ، والمعرفة تشريف ، التكليف للأشباح ، والتشريف للأرواح.
قال الحسين بن منصور : إنّ الحقّ أورد تكليفه على ضربين : تكليفا عن وسائط ، وتكليفا بحقائق ، فتكليف الحقيقة بدت معارفه منه ، وعادت إليه ، وتكليف الوسائط بدت معارفه عمّا دونه ، فلم يصل إليه ، فتناهى من معارفهم إلى نهايات معرفة أهل الوسائط ، ولم يتناه معارف من أحد معارفه عن شهود الحقّ ، كلّ ذلك رفقا من الحقّ بالخلق ؛ لعلمه بأنّه لا يوصل إليه إلا بما منه.
(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢) وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا