ودعاهم من طريق الهوى والمنى إلى محجة التقوى ، وسبيل الرضا ، ومشاهدة المولى فأجابوا بنعت الاقتداء فترفهوا من علة البدعة بروح السنة.
قال جعفر رضي الله عنه : يضع عنهم أثقال الشرك ، وذل المخالفات ، وغل الإهمال.
وقال الأستاذ : لا شيء أثقل من كد التدبير ، فمن ثقل عن كد التدبير إلى روح شهود التقدير فقد وضع عنه كل إصر ، وكفي كل وزر وأمر ، والأغلال التي كانت عليهم ما ابتدعوه من قبل أنفسهم باختيارهم في التزام طاعات الله ، لم يفرض عليهم.
ثم وصف هؤلاء بالإيمان والإيقان ، وإعانة رسوله ونصرته عليهالسلام ومتابعة القرآن بقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أي : شاهدوا مقامات النبوة بنعت الولاية ، وبذلوا مهجتهم في نصرته على أعداء الله ، وسلكوا بنور القرآن طريق العرفان.
ثم وصفهم بالفوز والنجاة من أيدي الشياطين ، وهواجس النفوس بنور القرآن والسنة ، وظفروا بمشاهدة الحق وحلاوة محبته.
قيل : اتّبعوا سنّته ؛ ليوصلهم اتّباع السنن إلى مبادئ الأحوال السنّيّة.
قال بعضهم : صدّقوا ما جاء به ، وبذلوا المهج بين يديه ، ثم أمر نبيّه صلىاللهعليهوسلم بإظهار ما أعطاه الله من رفيع درجاته ، وسني معجزاته ، ولطيف كراماته لمن له استعداد الإنسانية ، وقبول الحقّ للعقل حجّة للعالمين ، وانفتاح أبصار الصدّيقين بأنوار جماله وسنا جلاله ، بقوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) أي : مخبركم عن شوق الله في وجوه العارفين ، وطبيب أمراض الخليقة ، ودليلهم إلى طريق الحقيقة ، ومنقذ العالمين من البدعة بأنوار الشريعة ، وأمره بوصف جلاله وملكه على انتظام السماوات والأرض ، وإيجاد الخلق وإفنائهم بالحقّ ، بقوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) : نفى الأنداد والأضداد من ساحة الكبرياء ، ووصفه بإحاطته على ملك السماوات والأرض بالعزّ والبقاء ، وبأنه يحيي قلوب العارفين بمشاهدته ، ويميت قلوب أعدائه بقهره.
ثم أمره بأن يأمرهم بالإيمان به وبرسوله بنعت معرفته ، وشهودهم مشاهدة نبوة نبيّه.
ثم وصف رسوله بالأميّة عمّا دونه ، وشهوده مشاهدة قدم به لا بنفسه ، ورؤية ما أخبر عن أسرار ذاته وصفاته في كلامه ، بقوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ) وكلمته أي : يؤمن بالله بنعت الرضا عنه فيما يجري عليه من قضائه وقدره ، ووصف حضور قلبه بنعت الكشف بين يديه ، ويوقن ما أخبر له من أسرار الآزال والآباد.