والوصال.
وكل طائفة منهم عرفوا مشاربهم ، قال الله تعالى في تمام الآية : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) [البقرة : ٦٠].
لكلّ واحد منهم أعلام طريقة إلى الله من سلب المواجيد ، وحركات الجذب ، وظهور الصفة ، وإلقاء السمع ، واستماع الخطاب ، ويعرف منتهاه ، ويعلم مقصده ، وزيادة طلبه من قرب الحق ووصاله.
حكي عن الرضا عن أبيه ، عن جعفر بن محمد في هذه الآية قال : (فَانْبَجَسَتْ) من المعرفة : (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) يشرب كل أهل مرتبة في مقام من عين من تلك العيون ، على قدرها (١) ، «فأول عين» منها : عين التوحيد.
و «الثانية» : عين العبودية ، والسرور بها.
و «الثالثة» : عين الإخلاص.
و «الرابعة» : عين الصدق.
و «الخامسة» : عين التواضع.
و «السادسة» : عين الرضا ، والتفويض.
و «السابعة» : عين السكينة ، والوقار.
و «الثامنة» : عين السخاء ، والثقة بالله.
و «التاسعة» : عين اليقين.
و «العاشرة» : عين الفعل.
و «الحادية عشرة» : عين المحبّة.
و «الثانية عشرة» : عين الأنس والخلوة ، وهي عين المعرفة بنفسها.
ومنها تنفجر هذه العيون ، من شرب من عين منها يجد طلاوتها ، ويطمع في العين التي هي أرفع منها ، من عين إلى عين حتى يصل إلى الأصل ، فإذا وصل إلى الأصل تحقق بالحق.
وقال بعضهم في قوله : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) : ظهر لكل سالك سلوكه ، وآثار برهانه ، وبركات سعيه ، وأنوار حقائقه.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ
__________________
(١) قال الحدادي : الانبجاس خروج الماء قليلا والانفجار خروجه واسعا وإنما قال فانبجست لأن الماء كان يخرج من الحجر في الابتداء قليلا يتسع فاجتمع فيه صفة الانبجاس والانفجار.