الشياطين.
ومن لم يبلغ إلى وجدان تلك الصفة في صدوره ، لم يكن من السامعين أصوات جرس الوصلة.
وأما انفتاح عين البصر لعلوم السالكين ، وذلك أن أنوارها تبيّن لعلومهم طرائق الغيب ، وأحكام المتشابهات ، ومغيّبات الحكم ، ومن لم يبلغ إلى ذلك المقام ، ولم يشرب من شربه لم يكن من المتفرّسين في القلوب ، ولم يكن من المشاهدين في الغيوب.
وأما انفتاح عين الكلام الأزلي لنيّات الصادقين ، وذلك المشرب مخبر مشارب جميع الصفات ؛ لأنه من كلّ صفة فراج ، فكلّ صادق يتكلم الحق معه بكلام القديم ، يصير بنوره مطلقا على جميع الصفات ، عالما بأسمائها ونعوتها ، مشاهدا للذات مع جميع الصفات وتكون نيّته معلّقة بجريان خطاب الأزل ، يجري بجريانه حيث يجري ، ويدور حيث يدور ، ولذلك هي محفوظة من خطرات الشك والريب ، مرقومة بنور الإخلاص ، ومن لم يذق طعم ذلك المشرب ليس بصادق في المعرفة ؛ لأنه لم يكن معه مفاتيح كنوز الذات والصفات من الكلام.
وأما انفتاح عين الإرادة القديمة لمراد نور الراضين ، وذلك أن الرضا بالإرادة يكون من نور الإرادة ، مزيلا كلّ إرادة غير إرادة الله ، فإذا زالت الإرادات عن قرار نور أهل الرضا بقيت إرادة الله فيه ، فتكسبه سناها حتى تصير إرادة الراضي إرادة الحق ، فإذا كانت الإرادة إرادة فردة ، ولم يبق غيرها ، أورثت له حسن الرضا ، وذلك الرضا من رضوان الله ، فصارا متّصفين ، يورثان من معدن الأصل الرضا للراضي ، فحينئذ إرادة الله ، ورضي برضا الله ، قال الله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٩].
وكل ذلك جرى له في سابق الحكم والعلم ، فباشر حين وقع تجلّيه على قلب الراضي بغير علة اكتسابه ، ولا بحوله وقوته.
وأما انفتاح عين الحياة الأزلية لوجود المريدين ، وذلك أن المريد ميّت عن حياتها لمعرفة ، فيحييه الله بشربات ماء حياته ، فلا يموت بعد ذلك أبدا.
قيل : العرفاء لا يموتون ، فإذا شرب المريد من عين حياة الأزلية يستقيم بها في رؤية جميع الصفات ؛ لأن الحياة أصل جميع الصفات ، وجميع الصفات كأنه قائمة بها ، ومن لم يشرب من ذلك المشرب شربة الحياة لم يقدر أن يسبح بهمّيته في بحار الملكوت والجبروت ، ولم ير جواهر الصفات ، ولآلئ الحكم والعلم في بحر البقاء والأزل ، ولهؤلاء الطيّارين في هواء الهويب ، والسيّارين على مراكب الجود في ميادين الأحدية طيرانا وسيرا بقوة الشرب من مشارب الغيب ، والترقّي في المقامات والدرجات إلى أعلى معالي درجاتهم من القرب