كذبهم بما قالوا على الله ما لم يعرفوا منه.
وكذا حال المدّعين إلى يوم القيامة ، وثق الحق سبحانه في كلامه على الصدّيقين ، ألا يقولوا على الله إلّا ما وصف به نفسه من التنزيه والتقديس من أوصاف الحدثان ، وأن من العرش إلى الثرى تجري على مقاديره السابقة ، ومشيئته القديمة.
قيل : ألم يبيّن لهم على لسان الوسائط ، وفي الكتب المنزلة ألا يصفوا الحق إلا بنفاذ المشيئة وعلو القدرة ، ثم بيّن سبحانه أنهم علموا بميثاق الله في كتاب الله ، وتركوا ما ندبوا إليه من سني المعاملات ، ورفيع المقامات ، بقوله : (وَدَرَسُوا ما فِيهِ) (١) : درسوا ، وما عرفوا حقائقه ، ولو ذاقوا طعم الخطاب تابعوه ببذل المهجة.
قال سهل : تركوا العمل به.
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤))
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى).
أخبر سبحانه عن سرّ تقدير الأزل الذي في نفسه في أول الأول ، قبل كل قبل ، بلا تغاير الزمان وتواتر الملوان ، وذلك إرادة سابقة أزلية ذاتية صفاتية أحدية ، تكون بوجود إيجاده بظهور وجوده تعالى له ، فتقاضت الإرادة من العلم ، والعلم من القدرة ، والقدرة من جميع الصفات ، والصفات من الذات بغير تفرقة ، ولا جمع بل الوحدانية ، فأجابت الصفات للذات ، والذات للصفات من غير حاجة ، ولا وحشة ، ولا أنس بالحدثان ، بل الموجود أهل العرفان ، فمضت أدهار الأزلية بلا زمان ولا مكان ، بل قدم في القدم ، وأزل في الأزل أخبر عن علم القديم ، لا من الوقت ألا ترى قوله : (وَإِذْ) ، وليس عنده صباح ومساء لما تم أدهار الأولية ، التي هي دهر الدهار المنزّهة عن المكان والزمان ، وتمامها وقت إيجاد الأكوان والحدثان ، وإبراز أهل العرفان من معدن العيان تجلّت أنوار الذات لأنوار الصفات ، وتجلّت
__________________
(١) يعني تحققوا بمضمون الكتاب ثم جحدوا بعد لوح البيان وظهور البرهان ، يعني التعرض لنفحات فضله ـ سبحانه ـ خير لمن أمّل جوده من مقاساة التعب ممن بذل ـ في تحصيل هواه ـ مجهوده ، تفسير القشيري (٢ / ٤٦١).