أنوار الصفات لأنوار الذات ، ثم تجلّت الذات بجميعها للإرادة والمحبّة ، ثم تجلت الإرادة والمحبة لفعل الخاص ، ثم تجلى فعل الخاص لفعل العام ، ثم تجلى الفعل للعدم ، وأخرج من مكمن الغيب الأرواح بنعت إيجادها فأجادها برؤية تجلي الفعل العام ، ثم كساها نور فعل الخاص ، ثم أحضرها مشارب المحبّة والإرادة ، فسقاها من عين المحبة شراب العشق ، ومن عين الإرادة شراب التوحيد ، فاشتاقت من شراب المحبة ، وسكرت من هذا العشق ، وبهجت إلى معدن الصفة ، وطارت بأجنحة التوحيد في أنوار الصفات ، ثم طارت بنور الصفات في أنوار الذات ، ففنيت في القدم برؤية القدم ، وبقيت في البقاء برؤية البقاء ، فترفرفت كل واحدة على مورد من موارد الصفات ، وسكنت في العيون الصفات الأرواح ، فبعضها في عين العظمة ، وبعضها في عين الجلال ، وبعضها في عين الجمال ، وبعضها في عين الكبرياء ، وبعضها في عين القدم ، وبعضها في عين البقاء ، وبعضها في عين البهاء ، وبعضها في عين الحسن ، وبعضها في عين القدس ، وبعضها في نور الأنس ، وبعضها في سناه ، وبعضها في نور الأسماء والنعوت ، وبعضها في عين الحياة ، وبعضها في نور السمع ، وبعضها في نور البصر ، وبعضها في نور الكلام ، وبعضها في نور الوجه ، وبعضها في نور القدرة ، وبعضها في نور العلم ، وبعضها في نور المشيئة والإرادة ، وبعضها في صفات الخاصة من الاستواء وغيره من الصفات ، وبعضها في نور العطاء ، وبعضها في نور اللطف ، وبعضها في عين القهر ، وكل واحدة منها قويت لسجية موردها ، وقوة شربها.
وكل واحدة اشتاقت فيها إلى معدنها ؛ لذلك طباعها مختلفة في المقامات والحالات والمكاشفات والمشاهدات ، فوقعت أهل الألطاف في عيون المعرفة ، فبقيت في المعرفة أبدا ، ووقعت أهل القهريات في النكرة ، فبقيت في النكرة أبدا.
ألا ترى إلى مناهجهما من الكفر والإيمان ، فلمّا أراد سبحانه عبوديتها أخرجها من الغيب إلى صورة البشرية بنعت الامتحان والعبودية ، وكساها لباس الصلصالية ، بقوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) : أخرجهم جميعا بظهور وجوده لهم ، فخرجوا جميعا بنور ظهوره ، وتجلّي صفاته وذاته ، أخذهم بمباشرة الصفة في الفعل ، فوصل بركة أخذه إلى أهل معرفته ؛ لأن أخذه لهم أخذ لطف ووصل ، وقهر أخذه إلى أهل النكرة ؛ لأنهم أهل قهر ، فمن خرج بلباس اللطف شاهد الحق مشاهدة عيان ، ومن خرج بنعت القهر ، شاهد قهر الحق مشاهدة امتناع وحجاب ؛ لذلك بعضهم جحدوه ، أشهدهم على أنفسهم ليغيبوا عن مشاهدته ، ولو أشهدهم مشاهدته ما احتاجوا إلى تعريف الخطاب ، بقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) : كانوا في الأول شاهدين ، ثم كانوا غائبين ، فلمّا صاروا غائبين عرّفهم تلك