الموارد والمشارب في زمان الأول حين خرجوا من العدم بنور القدم.
(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) : خطاب تعريف وتذكير معاهد الأولية ، وأنشد في معناه :
سقيا لعهدك الذي لو لم يكن |
|
ما كان قلبي للصبابة معهدا |
سقى الله أياما لنا وليالي مضت |
|
فجرت من ذكرهنّ دموع |
فيا هل لها يوما من الدهر أوبة |
|
وهل لي إلى أرض الحبيب رجوع |
سلام على سلمى وإن شطّ دارها |
|
سلام على أرض قديم بها العهد |
في الأول كانوا غائبين عنه ، فأدركهم نور محبّته ، فأولهم قبل ظهورهم في لباس آدم ، فلمّا عرّفهم تلك الحلاوة ذكروا ما وجدوا ، وأنشدوا :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى |
|
فصادف صبّا فارغا فتمكّنا |
(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) : لأهل اللطف خطاب تعطف ، ولأهل القهر خطاب تعظم ، خاطب العارفين بتعريف المشاهدات ، وخاطب الجاهلين بالقهر والامتحانات ، فاعترفوا جميعا بوحدانيته طوعا وكرها ، طوعا لأهل العرفان ، وكرها لأهل العماء والطغيان.
ولولا خطابه وإنطاقه بالقدرة الأزلية ما قالوا جميعهم بني إلا أهل شهود جماله ، فلما خاطبهم فرح أهل محبته ، فطاروا بأجنحة توحيده في هواء وحدانيته فرحا وسرورا بجماله ، وتحيّر أهل الحجاب ، فبهتوا وتاهوا في أودية قهره ، ثم عظّم ميثاقه تعالى معهم بشهوده إيّاهم بقوله : (شَهِدْنا) : أخبر عن كشف نقاب الأزلية عن وجه السرمدية لأهل المعرفة ؛ لئلا ينسوه طرفة عين إلى أبد الآبدين ، وإن كانوا في حجب الامتحان ؛ لأن العاشق يرى معشوقه في رؤية جميع البلاء ، وكيف يحتجب المحبّ عن محبوبه ، ومحبته محيطة بجميع وجوده :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما |
|
تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل |
قال أبو سعيد الخرّاز في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) : ترابا لأهل الإيمان بالسكون ، فعرفوه ، وسكنوا واطمأنوا ، وترابا لأهل الكفر بالتعظيم ، فطاشت عقولهم ، فتفرقوا عنه.
وقال يوسف : قد أخبر أنه خاطبهم ربهم ، وهم غير موجودين إلّا بإيجاده لهم إذا كانوا واجدين الحق من غير وجودهم لأنفسهم ، كان الحق بالحق في ذلك موجودا بالمعنى الذي لا يعلمه غيره ، ولا يجده سواه.
قال بعضهم في قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) قالوا : بلى من غير مشاهدة ، ثم كوشفوا ، فشهدوا ما خوطبوا به ، قالوا شهدنا أي : شهدنا حقائق حقك.