كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩) وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠) وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١))
قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) (١).
خوّف الله أهل ولايته من ضربة مقرعة قهر الأزل بنعت الغيرة على أعناق من رأى قيمة نفسه في جلال عظمة القدم من حيث صنيعه ببلعام ؛ ليمتنع المسرورون بما وجدوا من سني الكرامات ، ورفيع الآيات من النظر إلى مقاماتهم ومعاملاتهم ، فإنه تعالى شغل عنه من نظر إلى غيره بغيره ونفسه ، فإنّ مكره قديم.
(فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) : ذكر أنه تعالى أتاه آياته ، ولو أعطاه قرب مشاهداته ما سلخ منه ؛ لأنّ من رآه أحبّه ، ومن أحبّه اشتاق إليه ، ومن اشتاق إليه عشقه ، ومن عشقه استأنس به ، واستوحش مما سواه.
فمن ذلك تبيّن أنه كان مستدرجا بوجدان آياته ، وتصديق ذلك ما أخبر سبحانه من ارتداده عن دينه ، واشتغاله بهواه ، وعداوة كليمه ، بقوله : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ).
ولو ذاق طعم حبّه لم يلتفت إلى غيره مكر به في الأزل ، فكان مكره مستندا ما إلى الأبد ، فالكرامات الظاهرة له عارضة الامتحان بين الأزل والأبد ، وعند الأصل القديم لا يعتبر بالعارض الطارئ.
قال ابن عطاء : سوابق الأزل تؤثّر على انتهاء الأبد ، قال الله : (آتَيْناهُ آياتِنا).
__________________
(١) ذكر أنه تعالى أعطاه آياته ، ولو أعطاه قرب مشاهدته ما انسلخ منه ، لأن من رآه أحبه ، ومن أحب استأنس به واستوحش مما سواه ، فمن ذلك تبين أنه كان مستدرجا بوجدان آياته ، وتصديق ذلك ما أخبر سبحانه من ارتداده عن دينه ، واشتغاله بهواه وعداوة كليمه. البحر المديد (٢ / ٣١٢).