يتضرم لا سبيل إليه ، ولا بدّ من الاقتحام فيه.
وقال بعضهم : أبدى أسماءه للدعاء لا يطلب الموقوف عليها ، وأنّى يقف على صفاته أحد.
وقيل : فادعوه بها أي : قفوا معها عن إدراك حقيقتها ، حكي الإسناد عن بعضهم أن الله سبحانه وقف الخلق بأسمائه ، فهم يذكرونها.
قال : وتعزّز بذاته ، فالعقول وإن صفت لا تهجم على حقائق الإشراف ؛ إذ الإدراك لا يجوز على الحق ، فالعقول عند بوادىء الحقائق منقّبة بنقاب الحيرة عن التعرض للإحاطة ، والمعارف تائهة عند قصد الإشراف على حقيقة الذات ، والإبصار حيرة عند طلب الإدراك في أحوال الرؤية ، والحقّ سبحانه عزيز باستحقاق نعوت التعالي منفردا ، ومثل هذا ذكره الأستاذ.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) أي : من كاشفنا له أحكام القدرة الغيبية المخبرة عن حوادث المقدرة ، التي تنكشف بعد الواقعة ظاهرة في مرآة قلبه ، فكذّبها بمعارضة النفس ، وشك الطبيعة مشتركة في ذلك ، ولا نكشف له بعد ذلك أسرار الملك والملكوت.
وهو بما استبدأ من صنيعه في العبادات الظاهرة يفرح ، ولا يعرف احتجابه عن رؤية الغيب ، وأيضا من الكذب آيات أوليائي ، وهو يترسّم سلوك طريقهم ، وهو معجب بذلك لا يبلغه إلى درجة القوم ، وتركه في عزّته وغروره ومحاله.
وأيضا من أنعم عليه بتيسير الطاعات ، ويقف معها ولا يطلب ما وراءها من القربات نحجبه بها عنا ، وهو لا يعلم ، ومثل ما ذكرنا صورة من لم يسبق في مقاديره السابقة العناية له بالاصطفائية في البلوغ إلى درجة الولاية.