يقبلون التأديب.
قيل : الأنعام والبهائم لا يحسّون بالاستتار والتجلّي ، والأرواح نعيمها في التجلّي ، وعذابها في الاستتار ، قال الله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) (١).
قال ابن عطاء : لهم قلوب لا يفقهون بها معاني الخطاب ، ولهم آذان لا يسمعون بها حلاوة الخطاب ، ولهم أعين لا يبصرون بها شواهد الحق.
وقال الأستاذ : لا يفقهون معاني الخطاب كما يفهمه المحدثون ، وليس لهم تمييز بين خواطر القلب ، وهواجس النفس ، ووساوس الشيطان ، ولهم أعين لا يبصرون بها شواهد التوحيد وعلامات اليقين ، ولا ينظرون إلا من حيث العقل ، ولا يسمعون إلا دواعي الفتنة ، ولا ينخرطون إلا من سلك ركوب الشهوة ، ثم وصف نفسه تعالى بأن له الأسماء الذاتية والأسماء الصفاتية ، والأسماء الفعلية ، والأسماء الخاصة المنبّئة لقلوب العارفين عن عجائب صفاته الأزلية ، والتي مصدرها ذاته القديم تعالى بقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) : خبّر الخلق في طلب تلك الأسماء العظام ، ولا ينالونها إلا بكشوفها ، ولا تنكشف لهم تلك الأسماء إلا بكشوف صفات الخاصة ، التي تلك الأسماء مفاتيح خزانتها ، ولا تنكشف تلك الصفات ألا بكشف الذات ، فمن خصّ بهذه المكاشفات يهتدي إلى اسمه الأعظم ، ويهتدي بنوره إلى معاني الصفات وأنوار الذات ، إذا دعا به أجيب ، ويكون قوله في مراده : (كُنْ فَيَكُونُ) ، فكل اسم مخبر عن صفة ، والصفة مخبرة عن الذات.
ولكلّ اسم للعارفين فيه مقام ، وهم في الأسماء على مراتبها في معرفة الصفات ، ومشاهدة الذات في بعضهم ، كل اسم من أسمائه يبلغك مرتبة من المراتب ، واسمه الله يبلغك إلى الوله في حبّه ، والرحمن الرحيم يبلغانك إلى رحمته ، كذلك جميع أسمائه إذا دعوته عن خلوص ضمير ، وصفاء عقيدة.
قال بعضهم : إنّ وراء الأسماء والصفات صفات لا تخرقها الأفهام ؛ لأنّ الحقّ نار
__________________
(١) في عدم الفقه والإبصار للاعتبار والاستماع للتدبر أو في أن مشاعرهم وقواهم متوجهة إلى أسباب لتعيش مقصورة عليها. والأنعام جمع نعم بالتحريك وقد يسكن عينه وهى الإبل والشاة أو خاص بالإبل كذا في القاموس (بل هم أضل) بل للإضراب وليس إبطالا بل هو انتقال من حكم وهو التشبيه بالأنعام إلى حكم وهو كونهم أضل من الأنعام طريقا فإنها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضار وتجهد في جلبها ودعها غاية جهدها وهو ليسوا كذلك وهى بمعزل من الخلود وهم يتركون النعيم المقيم ويقدمون على العذاب الخالد وقيل لأنها لا تعرف صاحبها وتذكره وتطيعه وهؤلاء لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه ولا يطيعونه.