(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠)) [الصافات : ١٠].
قال تعالى : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) : فإذا وصل إليهم نار الوسواس ، وأوجسوا في أنفسهم غبار سنابك ، خيول الشيطان التجأوا بتراكب الذكر إلى جناب الأزل ، فإذاهم يرون ما أفسد الشيطان من محافل الأنس ، ومجالس القدس في قلوبهم ، ويرون طيف الشيطان أيضا بنور العرفان ، فيرمونهم بسهام الذكر ، ونيران المحبّة من قارورة الشوق فتحرقهم.
قال تعالى : (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ).
رأى الجنيد في المنام إبليس ، فقال : هل تقدر أن تمرّ على مجالس أهل الذكر؟ فقال : كما أن أحدا منّا يمر على أحد منكم ، ويمسّه ، ويصير مجنونا ومصروعا ، فمنا من يمر على مجلس الذكر يصير مصروعا ، ونسمّيه بيننا مأنوسا ، كما تقولون مصروعا منكم مجنون.
قال بعضهم : من حال سرّه في ميادين الأنس والقربة ، وحجر نفسه عن طوارق الفتنة وطوائف الشيطان ، هم الذين قال الله : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا).
(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))
قوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
ندب الحق سبحانه الجميع أن يسمعوا القرآن بقلوب حاضرة ، ونيّات صادقة ، وأسرار ظاهرة عند سكونهم عن الفضولات لوقار القرآن ، فإذا رآهم الحق في منازل مقال الخطاب وحرمات الأمر ، يتفضّل عليهم بكشف أسراره لقلوبهم ، ويذوق طعم خطابه أسرارهم ، ويعرفهم نكات إشاراته اللطيفة ، وأنبائه العجيبة ، والحكمة الغريبة ، فمن يرى مواقع أسراره بأنواره ، ويسمع بالله كلام الله صار القرآن بصائره ، يرى به جميع الصفات ومشاهدة الذات قال تعالى : (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) (١). فلعلّ ههنا توجيها للمستمعين ، كلامه بالأدب والسكون أي : إذا كنتم كذلك ؛ لعلّكم تكاشفون بأسراره وأنواره ومواجيده.
قيل فيه : استمعوا له بآذانكم ؛ لعلّكم تسمعون بقلوبكم ، وتفهمون مراد مخاطبة الحقّ
__________________
(١) أي : براهين توحيده ، ودلائل معرفته ، حاصلة من ربكم ، تنفتح بها البصائر ، وتبصر بها أنوار قدسه. البحر المديد (٢ / ١٨٦).