أخلاقه حتى عظم الأمر عنده في ذلك ، وأفاض لطفه على الجمهور ، فأمر أمته بما أمر الله بقوله : «تخلقوا بأخلاق الله» (١).
قال بعضهم : أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بمكارم الأخلاق ظاهرا وباطنا ، وهو الصفح عن زلّات الخلائق ، والأمر بمكارم الأخلاق.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) أي : أعرض عن المعرضين عنّا ، فهم الجهّال.
روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم سأل جبريل صلوات الله عليه عن تفسير هذه الآية ، فقال :
«تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتحسن إلى من أساء إليك» (٢).
قال ابن عطاء : خذ ما صفا ، ودع ما كدر.
وقوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ).
الشيطان كلب قهر القدم ، فإذا نبح وراء ساحة القلب في جانب النفس ، ففر من قهرنا إلى لطفنا ، ومننا إليك ؛ لذلك قال : «أعوذ بك منك» (٣).
فإذا كانت ساحة القلب مستضاءة بنور التجلّي يفر الشيطان من نواحيه ؛ لأنه لو يدنوا منه بقدر رأس إبرة تحترق.
قال الجريري : من أعقل السلاح ، أسره الشيطان في أول لحظة.
وقال الأستاذ : إن سنح في باطنك من الوسواس أثر ، فاستعذ بالله يدركك بحسن التوفيق ، وإن هجس في صدرك من الحظوظ ، فاستعذ بالله يدركك بإدامة التأييد ، وإن اعتراك في الترقّي أن محل الوصول وقفه ، فاستعذ بالله يدركك بإدامة التحقيق ، وإن تقاصر عنك في خصائص القرب صيانة لك عن شهود المحلّ ، فاستعذ بالله تثبتك له به لا لك بك.
ثم وصف سبحانه أهل التقوى من أهل الولاية أنهم ممتحنون بهواجس النفوس ، ووساوس الشياطين ، واستغاثتهم بالله ، وذكره عن شرّهم ، بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا).
حسدة الشياطين يراقبون من البعد أولياء الله ؛ ليرموهم بنيران الوسواس من قوارير الحسد حين تقاصروا عن مشاهدة الذكر والمذكور ، وغفلوا لحظة عن مراقبتهم ، ولو استقاموا على شريطة حضور مشاهدة الملكوت ، لم يقدروا أن يمسّهم من ألف فرسخ.
__________________
(١) ذكره الشيخ حقي في تفسيره (٤ / ٣٣٠).
(٢) رواه الحاكم في المستدرك (٤ / ١٧٨).
(٣) رواه النسائي في الكبرى (١ / ٤٥٢).