وقيل في قوله : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الأعراف : ١٩٨] : بأنفسهم ينظرون إليك ، ولا يبصرون خصائص ما أودعناه فيك ، وبركات ما أجريناه في الخليقة بك.
وكذا من نظر بنفسه إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، حجب عن إدراك معانيه حتى ينظر ببركة الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الرسول ، بل هو أيضا قاصر البصر حتى ينظر بالحق إليه ، ومن الحق إذ ذلك يتبيّن له شرف ما خصّ به.
وقال سهل : هي القلوب التي لم تزيّنها أنوار القرب ، فهي عمياء عن درك الحقائق ، ورؤية الأكابر.
وقال أيضا : ينظرون إليك بأعين لم تكحل بنور التوفيق ، فلا يعرفون حقك ، وينظرون إليك بالقلوب التي لم يثبتها بنور هدايته شيئا.
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣))
ويقال : رؤية الأكابر ليست بشهود أشخاصهم ، لكن بما يحصل للقلوب من مكاشفات الغيب ، وذلك على مقادير الاحترام ، وحصول الإيمان ، ولما عظم شأنه صلىاللهعليهوسلم ، وعزّ عن إدراك ناظريه ، وعن أن يطّلع على ما في جلاله وجماله من أنوار الصفات ، وبرجاء سنا الذات ، وعلم الحقّ سبحانه عجز الخلق عن أداء حقه واحترامه بحد حقيقة أمره عليهالسلام بالعفو والكرم عند قصورهم عن رؤية ما كان من سطوع أنوار الرسالة والنبوّة من وجهه ، بقوله (خُذِ الْعَفْوَ) أي : فاعف عنهم من قلّة عرفانهم حقك.
(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي : بلطف عليهم في أمرك ونهيك بهم ؛ فإنهم ضعفاء عن حمل وارد أحكام شرائعك وحقائقك.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) الذين ليس لهم استعداد النظر إليك ، ولا يعرفون حقوقك ، فإن منكر كرامات أوليائي ، ومعجزات أنبيائي لا يبلغ إلى درجة القوم.
قال بعض المشايخ حين ذكر أهل الظاهر قال : دع ذكر هؤلاء الثقلاء ، ثمّ إنه سبحانه ألبس حبيبه عليهالسلام أخلاق القدم بالتجلّي ، والكشف والمباشرة بالفعل ، ثمّ أراد أن يلبسه خلقه بالأمر القديم ، والكلام الكريم ؛ ليكون متّصفا بجميع معانيه بجميع صفاته ، متخلّقا بجميع