وقال أيضا : أصلح الأئمة بإصلاح سرائرهم عن دعوة البشرية تولّيا ، وأصلح الخاصة بصحة المقصود ، وأصلح العامة بالإثبات.
وقال الأستاذ : من قام بحق الله تولى الله أموره على وجه الكفاية ، فلا يحوجه إلى أمثاله ، ولا يدع شيئا من أحواله إلا أجراه على ما يريد بحسن أفضاله ، فإن لم يفضّل ما يريده ، جعل العبد راضيا بما يفعله ، وروح الرضاء على الأسرار ، أتمّ من راحة العطاء على القلوب.
قوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) : نفى الله سبحانه سمع الخاص ، ونظر الخاص عن أهل الغفلة ، إذ أسماعهم وعيونهم محجوبة بعوارض الضلالة وغواشي الغفلة ، لا يسمعون بآذان قلوبهم نداء الغيب ، ولا يبصرون بأبصار قلوبهم مشاهدة الحق في الشواهد ، وذلك من ردّ الله إيّاهم عن شهودهم بنعت إلقاء سماعهم في محاضر المراقبات ، وترائيهم بعيون قلوبهم أهلّة الجلال في سماوات اليقين ، ولو شاء لأسمعهم وأراهم جلاله ، ولكن منعهم قهر الأزلية وخذلان الأبدية.
كان عليهالسلام مصبوغا بصبغ الألوهية في مجامع شريعة بحار القدس ، مزيّنا بزينة نور المشاهدة ، مخبّرا بسنا لباس القدرة ، موشّحا بوشاح الرسالة ، متوّجا بتيجان الملكوت ، راكبا على مركب النبوة في ميادين الجبروت ، وكان مرآة مشاهدة الله بين عباد الله ، يتجلى الحق منه للعالمين ، ولكن ما أبصره إلا من له منه بصر بصيرة ، لذلك قال عليهالسلام في بعض إشارته في الحقيقة والاتصال قال : «من رآني فقد رأى الحق» (١).
فلمّا رأى الناظر إليه بنظر الحقيقة إلى أين بلغ من رتبة القربة ، قال : «طوبى لمن رآني وطوبى لمن رأى من رآني» (٢).
لأنّ من تزوّد من جماله نورا وبهاء ، يفيض ذلك النور في جميع وجوده ، ويتلألأ منه لعيون الناظرين :
أدر كأس السرور على أناس |
|
لقاؤك عندهم كلّ الأماني |
إذا اكتحلوا بوجهك لم يزالوا |
|
من الخيرات في نعم حسان |
قيل في قوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) : كيف يسمع الدعاء من أصمّه الداعي عن الدعوة إليه؟ ولا يسمع نداء الحق إلا من أسمعه الحق ، وبإسماعه يسمع لا بسمعه ، ولا باستماعه.
__________________
(١) رواه البخاري (٦ / ٢٥٦٨) ، ومسلم (٤ / ١٧٧٦).
(٢) رواه ابن حبان (١٦ / ٢١٥).