وقيل في قوله : (مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) [النساء : ١٢٥] أي : أعتق وجهه عن عبودية غيره ، وهو محسن آداب العبودية ، فله أجره عند ربّه ، دوام المعونة إليه من رضاه ، ولا خوف عليهم من فوت حظّهم من الحق ولا هم يحزنون ؛ بأن يشغلهم عنه بالجنّة.
قال ابن عطاء : من جعل طريقه ووجهه ومراده وقصده وتدبيره لله ، فلا يبقي له وجه إلّا إليه ، ولا يكون إلا عليه ، وهو محسن.
قال : يري الحقّ بسرّه ، ويشاهده بحقائق معرفته ، ويطالعه بمعاني إخلاصه.
قال عبد العزيز المكيّ : في هذه الآية حال مخلص في عمله ، هائب عن ربّه.
وقال أيضا : من أخلص قلبه لله محبّة ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي : كامل في محبّته ، وبالغ في مودّته.
(فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي : فأينما تولّوا بعيون الأسرار ، فثمّ مكاشفة الأنوار.
وأيضا أشار بهذه الآية إلى مشاهدة المشهود في الشواهد ، كما كشف خليله حيث قال : هذا ربّي ، إذا نظر في دائرة الكون ، وفهم هذه الآية ، أنه من نظر بعين العقل فقبلته الآيات ، ومن نظر بعين الروح فقبلته الصفات.
وقال ابن منصور : وجهه حيث توجّهت ، وفقده أين فقدت.
فقال بعضهم : القصد إليه توجّهك ، والطريقة إليه استقامتك منك بفهمك ، وعنك بعلمك ، ارتبط كلّ شيء بضده ، وانفرد بنفسه.
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خلق السماوات والأرض ، وألبسهما من لباس سنا عزّه ؛ حتى تسكن قلوب أحبائه ، بالنظر إلى مشاهدة الصانع في المصنوعات.
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨))
وقال بعضهم : علّة لكلّ صنع صنعه ، ولا علّة لكلّ صنع صنعه ، ولا علة لصنعه ، وليس لكأنه كان ؛ لأنه قبل الكون والكان ، وأوجد الأكوان ، بقوله : (كُنْ).
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) : لم يسمعوا كلام الله من داخل قلوبهم ، فثقلت أسماعهم من وقر الضلال.
وأيضا ظنّوا أنهم من أهل المخاطبة ، وجهلوا مقام المشاهدة ، وقد أخطئوا فيما ظنّوا ؛ لأنهم لا يطيقون رؤية الوسائط ، أعنى معجزات النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولا فهم خطابه ، فإذا كان الأمر كذلك كيف يسمعون صرف الخطاب من حضرة الكمال.