(وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ، ولهم أيضا في تفكر إنزال الله تعالى من سماء القربة مزن رشاش المشاهدة ، وإحيائه القلب الميت من فقد نيل القربة ، ورؤية خصائص المنة.
(وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) وأيضا لهم في إدراك التفرق وشتات سيارات عالم الملكوت في قلوبهم لطائف الخطاب.
(وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي : لهم في رؤية تصريف الرياح ، وتسخير السحاب بين السماء والأرض وجدان تصريف رياح المنّة ، وتسخير سحاب الشفقة بين نور الروح ونار القلب ، إذا كان الرياح تحرك السحاب وتعصرها حتى تمطر قطرات مياه الخطاب على نيران القلب ليسكن بها ساعة عن الإحراق بالتهاب نار الوجد ، (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي : لأولي النهي علامات صفات القدرة بإدراك بصائرهم الحكمة.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧))
الأنداد تقع على كل شيء بمنع العبد عن خدمة سيده ، من جملتها النفس والهوى ، كما قال الله تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان : ٤٣] ، ومنها الخلق لأجل الرئاسة ، ومنها الدنيا والشيطان.
(يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) ؛ لأنهم لا يذوقون طعم معرفة الله ، ولذة محبته ، ولا يرون نور مشاهدته وحقائق وصله وقربه ، ومع ذلك محبتهم للخلق محبة معلولة ، لأنهم لو لم يجدوا منهم أموالهم يفرون منهم فرار الزحف.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) لأن أهل الإيمان والتوحيد سمعوا خطاب قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٧٢] ، بالسمع الخاص في سابق الدهر ، ورأوا مشاهدة جلاله قبل وقوع البلايا ، فيبقى في قلوبهم لذة المشاهدة والخطاب ، فيجدون مرارة بلائه ، وغصص امتحانه ، يقبلون منه ببذل نفوسهم ، وترك حظوظهم ، والوفاء بصدق عقودهم في أمر محبوبهم.