سموات متطابقة ، أى : بعضها فوق بعض ، بطريقة متقنة محكمة .. لا يقدر على خلقها بتلك الطريقة إلا هو ، ولا يعلم كنه تكوينها وهيئاتها .. أحد سواه ـ عزوجل ـ.
وقوله ـ سبحانه ـ (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) مؤكد لما قبله ، والتفاوت مأخوذ من الفوت ، وأصله الفرجة بين الإصبعين. تقول : تفاوت الشيئان تفاوتا ، إذا حدث تباعد بينهما ، والجملة صفة ثانية لسبع سماوات ، أو مستأنفة لتقرير وتأكيد ما قبلها .. والخطاب لكل من يصلح له.
أى : هو ـ سبحانه ـ الذي خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض ، مع تناسقها ، وإتقان تكوينها ، وإحكام صنعها .. بحيث لا ترى ـ أيها العاقل ـ في خلق السموات السبع شيئا من الاختلاف ، أو الاضطراب ، أو عدم التناسب .. بل كلها محكمة ، جارية على مقتضى نهاية النظام والإبداع.
وقال ـ سبحانه ـ : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ ...) ولم يقل : ما ترى في السموات السبع من تفاوت ، للإشعار بأن هذا الخلق البديع ، هو ما اقتضته رحمته ـ تعالى ـ بعباده ، لكي تجرى أمورهم على حالة تلائم نظام معيشتهم .. وللتنبيه ـ أيضا ـ على أن جميع مخلوقاته تسير على هذا النمط البديع في صنعها وإيجادها ، كما قال ـ تعالى ـ : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (١). وكما قال ـ سبحانه ـ : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ...) (٢).
قال صاحب الكشاف : قوله : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) أى : من اختلاف واضطراب في الخلقة ولا تناقض ، إنما هي مستوية ومستقيمة ، وحقيقة التفاوت : عدم التناسب ، كأن بعض الشيء يفوت بعضا ولا يلائمه ، ومنه قولهم : خلق متفاوت ، وفي نقيضه متناصف.
فإن قلت : ما موقع هذه الجملة مما قبلها؟ قلت : هي صفة مشايعة لقوله (طِباقاً) وأصلها : ما ترى فيهن من تفاوت ، فوضع مكان الضمير قوله : (خَلْقِ الرَّحْمنِ) تعظيما لخلقهن ، وتنبيها على سبب سلامتهن من التفاوت ، وهو أنه خلق الرحمن ، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب .. (٣).
ثم ساق ـ سبحانه ـ بأسلوب فيه ما فيه من التحدي ، ما يدل على أن خلقه خال من التفاوت والخلل فقال : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ، يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ).
__________________
(١) سورة النمل الآية ٨٨.
(٢) سورة السجدة الآية ٧.
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٧٦.