الابتداء كانت في حكم الموت .. وقيل : لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل ، من نصب موته بين عينيه ، فقدم لأنه فيما يرجع على الغرض الذي سيقت له الآية أهم.
قال قتادة : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله ـ تعالى ـ أذل ابن آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ، ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء ..» وعن أبى الدرداء أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه : الفقر والمرض والموت ، وإنه مع ذلك لوثّاب ..» وقال العلماء : الموت ليس بعدم محض ، ولا فناء صرف ، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته ، وحيلولة بينهما ، وتبدل حال ، وانتقال من دار إلى دار ، والحياة عكس ذلك .. (١).
وأوثر بالذكر من المخلوقات الموت والحياة ، لأنهما أعظم العوارض لجنس الحيوان ، الذي هو أعجب موجود على ظهر الأرض ، والذي الإنسان نوع منه ، وهو المقصود بالمخاطبة ، إذ هو الذي رضى بحمل الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض ..
والتعريف في الموت والحياة للجنس. و «أحسن» أفعل تفضيل ، لأن الأعمال التي يقوم بها الناس في هذه الحياة متفاوتة في الحسن من الأدنى إلى الأعلى.
وجملة «وهو العزيز الغفور» تذييل قصد به أن جميع الأعمال تحت قدرته وتصرفه.
أى : وهو ـ سبحانه ـ الغالب الذي لا يعجزه شيء الواسع المغفرة لمن شاء أن يغفر له ويرحمه من عباده ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى).
ثم بين ـ سبحانه ـ مظهرا آخر من مظاهر قدرته التي لا يعجزها شيء فقال : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ...).
والجملة الكريمة صفة للعزيز الغفور ، أو عطف بيان أو بدل ، أو خبر لمبتدأ محذوف.
وطباقا صفة لسبع سموات. وهي مصدر طابق مطابقة وطباقا ، من قولك : طابق فلان النعل ، إذا جعله طبقة فوق أخرى ، وهو جمع طبق ، كجبل وجبال ، أو جمع طبقة كرحبة ورحاب .. أى : هو ـ سبحانه ـ لا غيره الذي أوجد وخلق على غير مثال سابق سبع
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٠٦.