أى : ما دام الأمر كما ذكرنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ فاترك هؤلاء الكافرين ، ليخوضوا في باطلهم ، ويلعبوا في دنياهم ، ولا تلتفت إليهم.
ودعهم في هزلهم ولهوهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة الذي لا شك في إتيانه ووقوعه.
وقوله (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) بدل من (يَوْمَهُمُ). والأجداث جمع جدث ـ بفتح الجيم والدال ـ وهو القبر. أى : اتركهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم المحتوم. وهو اليوم الذي يخرجون فيه من قبورهم مسرعين إلى الداعي.
(كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) والنصب ـ بضمتين ـ حجارة كانوا يعظمونها. وقيل : هي الأصنام ، وسميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها ويقيمونها للعبادة.
(يُوفِضُونَ) أى : يسرعون. يقال : وفض فلان يفض وفضا ـ كوعد ـ إذا أسرع في سيره. أى : يخرجون من قبورهم مسرعين إلى الداعي ، مستبقين إليه ، كما كانوا في الدنيا يسرعون نحو أصنامهم وآلهتهم لكي يستلموها ، ويلتمسوا منها الشفاعة.
(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) أى : يخرجون من قبورهم ، حالة كونهم ذليلة خاضعة أبصارهم ، لا يرفعونها لما هم فيه من الخزي والهوان.
(تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أى : تغشاهم ذلة شديدة ، وهوان عظيم. يقال : رهقه الأمر يرهقه رهقا ، إذا غشيه بقهر وغلبة لا يمكن له دفعها.
(ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) أى : ذلك الذي ذكرناه من الأهوال ، هو اليوم الذي كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل ، والذي كانوا ينكرون وقوعه ، وها هو ذا في حكم الواقع ، لأن كل ما أخبر الله ـ تعالى ـ عنه ، فهو متحقق الوقوع. كما قال ـ سبحانه ـ في أول السورة : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ).
وهكذا افتتحت السورة بإثبات أن يوم القيامة حق ، واختتمت كذلك بإثبات أن يوم القيامة حق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|
كتبه الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى |