ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يدل على كمال قدرته ، وعلى زيادة التهوين من شأن هؤلاء الكافرين ، والتحقير من أمرهم فقال : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ).
وجمع ـ سبحانه ـ هنا المشارق والمغارب ، باعتبار أن لها في كل يوم من أيام السنة مشرقا معينا تشرق منه ، ومغربا معينا تغرب فيه.
وقال في سورة الرحمن (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أى : مشرق ومغرب الشتاء والصيف.
وقال في سورة المزمل : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) والمراد بهما هنا : جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس ، وعلى كل مغرب من مغاربها.
وبذلك يتبين أنه لا تعارض بين مجيء هذه الألفاظ تارة مفردة ، وتارة بصيغة المثنى ، وتارة بصيغة الجمع.
وجملة (إِنَّا لَقادِرُونَ) : جواب القسم. أى : أقسم بالله ـ تعالى ـ الذي هو رب مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها .. إنا لقادرون قدرة تامة (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) أى : على أن نخلق خلقا آخر خيرا منهم ونهلك هؤلاء المجرمين إهلاكا تاما .. أو على أن نبدل ذواتهم ، فنخلقهم خلقا جديدا يكون خيرا من خلقهم الذي هم عليه .. فإن قدرتنا لا يعجزها شيء.
وقوله (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) معطوف على جواب القسم ومؤكد له. أى : إنا لقادرون على ذلك ، وما نحن بمغلوبين أو عاجزين عن أن نأتى بقوم آخرين خير منهم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ. وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (.. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٢) ، والمقصود بهذه الآيات الكريمة تهديد المشركين وبيان أن قدرته ـ تعالى ـ لا يعجزها شيء.
والفاء في قوله : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا ..) للتفريع على ما تقدم. والخوض يطلق على السير في الماء ، والمراد به هنا : الكلام الكثير الذي لا نفع فيه.
واللعب : اشتغال الإنسان بشيء لا فائدة من ورائه. والمراد به هنا : استهزاؤهم بالحق الذي جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) سورة فاطر الآيات ١٥ ـ ١٧.
(٢) سورة محمد الآية ٣٨.