وقدم ـ سبحانه ـ الظرف (قِبَلَكَ) الذي بمعنى جهتك ، على قوله (مُهْطِعِينَ) للاهتمام ، حيث إن مقصدهم الأساسى من الإسراع هو الاتجاه نحو النبي صلىاللهعليهوسلم للاستهزاء به وبأصحابه.
والمراد بقوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) : جميع الجهات ، إلا أنه عبر بهاتين الجهتين ، لأنهما الجهتان اللتان يغلب الجلوس فيهما حول الشخص.
وقوله : (عِزِينَ) تصوير بديع لالتفافهم من حوله جماعات متفرقة في مشاربها ، وفي مآربها ، وفي طباعها.
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) للنفي والإنكار.
أى : أيطمع كل واحد من هؤلاء الكافرين أن يدخل الجنة التي هي محل نعيمنا وكرامتنا بدون إيمان صادق ، وبدون عمل نافع ..؟
وقوله ـ سبحانه ـ (كَلَّا) ردع لهم وزجر عن هذا الطمع ، أى : كلا ليس الأمر كما يزعمون من أنهم سيدخلون الجنة قبل المؤمنين أو معهم أو بعدهم .. وإنما هم سيكون مأواهم جهنم وبئس المصير.
وقال ـ سبحانه ـ : (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) ولم يقل : أيطمعون أن يدخلوا الجنة ، للإشعار بأن كل واحد من هؤلاء الكافرين كان طامعا في دخولها ، لاستيلاء الغرور والجهالة على قلبه.
وجملة (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) تأكيد لهذا الردع والزجر ، وتهوين من شأنهم ، وإبطال لغرورهم ، وتنكيس لخيلائهم بأسلوب بديع مهذب .. لأنه مما لا شك فيه أنهم يعلمون أنهم قد خلقوا من ماء مهين ، ومن كان كذلك فلا يليق به ـ متى كان عاقلا ـ أن يغتر أو يتطاول.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : ويجوز أن يراد بقوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) أى : من النطفة المذرة ، وهي منصبهم الذي لا منصب أوضع منه. ولذلك أبهم وأخفى : إشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره ، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ، ويقولون : لندخلن الجنة قبلهم.
وقيل : معناه إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بنى آدم كلهم ، ومن حكمنا أن لا يدخل أحد الجنة ، إلا بالإيمان والعمل الصالح ، فكيف يطمع في دخولها من ليس له إيمان وعمل (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦١٤.