وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)(٤٤)
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) للتعجيب من حال هؤلاء الذين كفروا ، ومن تصرفاتهم التي تدل على منتهى الغفلة والجهل. و «ما» مبتدأ. و «الذين كفروا» خبره.
وقوله (مُهْطِعِينَ) من الإهطاع ، وهو السير بسرعة ، مع مد العنق ، واتجاه البصر نحو شيء معين.
و (عِزِينَ) جمع عزة ـ كفئة ـ وهي الجماعة. وأصلها عزوة ـ بكسر العين ـ من العزو ، لأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى ، فلامها واو ، وقيل : لامها هاء ، والأصل عزهة.
قال القرطبي : والعزين : جماعات متفرقة. ومنه الحديث الذي خرجه مسلم وغيره ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج على أصحابه يوما فرآهم حلقا فقال : مالي أراكم عزين : ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال : يتمون الصفوف الأول ، ويتراصون في الصف (١).
وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآيات ، أن المشركين كانوا يجتمعون حول النبي صلىاللهعليهوسلم ويستمعون إليه ، ثم يكذبونه ويستهزئون به وبالمؤمنين ، ويقولون : لئن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد صلىاللهعليهوسلم فلندخلنها قبلهم ، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم (٢).
والمعنى : ما بال هؤلاء الكافرين مسرعين نحوك ـ أيها الرسول الكريم ـ وناظرين إليك بعيون لا تكاد تفارقك ، وملتفين من حولك عن يمينك وعن شمالك ، جماعات متعددة ، ومظهرين التهكم والاستهزاء بك وبأصحابك؟
ما بالهم يفعلون ذلك مع علمهم في قرارة أنفسهم بأنك أنت الصادق الأمين»
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٩٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٦٤.