ختمها بمدح الذين يحافظون عليها فقال : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) أى : يؤدونها كاملة غير منقوصة. لا في خشوعها ، ولا في القراءة فيها ، ولا في شيء من أركانها وسننها.
وهذا الافتتاح والختام ، يدل على شرفها وعلو قدرها ، واهتمام الشارع بشأنها.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قال : (عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) ثم (عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ)؟. قلت : معنى دوامهم عليها ، أن يواظبوا على أدائها ، لا يخلون بها ، ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل.
ومحافظتهم عليها : أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ، ومواقيتها ، وسننها ، وآدابها .. فالدوام يرجع إلى نفس الصلاة ، والمحافظة تعود إلى أحوالها (١).
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف هؤلاء المؤمنين الصادقين ، الذين حماهم ـ سبحانه ـ من صفة الهلع .. وصفهم بثماني صفات كريمة ، منها : المداومة على الصلاة ، والمحافظة على الإنفاق في وجوه الخير ، والتصديق بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب ، والحفظ لفروجهم ، وأداء الأمانات والشهادات.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أعده لهم من عطاء جزيل فقال : (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) أى : أولئك المتصفون بذلك في جنات عظيمة ، يستقبلون فيها بالتعظيم والحفاوة .. حيث تقول لهم الملائكة : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).
وبعد هذه الصورة المشرقة لهؤلاء المكرمين .. أخذت السورة في تصوير موقف المشركين من دعوة الرسول صلىاللهعليهوسلم إياهم إلى الحق ، وفي تسليته عما لحقه منهم من أذى ، وفي بيان أحوالهم السيئة عند ما يعرضون للحساب .. فقال ـ تعالى ـ.
(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦١٢.