أى : إنا قد اقتضت حكمتنا أن نرسل نوحا ـ عليهالسلام ـ إلى قومه ، وقلنا له : يا نوح عليك أن تنذرهم وتخوفهم من عذابنا ، وأن تدعوهم إلى إخلاص العبادة لنا ، من قبل أن ينزل بهم عذاب مؤلم ، لا طاقة لهم بدفعه ، لأن هذا العذاب من الله ـ تعالى ـ الذي لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه.
وقال ـ سبحانه ـ (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) ولم يقل : أن أنذر الناس ، لإثارة حماسته في دعوته ، لأن قوم الرجل يحرص الإنسان على منفعتهم .. أكثر من حرصه على منفعة غيرهم.
والآية الكريمة صريحة في أن ما أصاب قوم نوح من عذاب أليم ، كان بسبب إصرارهم على كفرهم ، وعدم استماعهم إلى إنذاره لهم.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما قاله نوح لقومه فقال : (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ، وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ).
اى : قال نوح لقومه ـ على سبيل التلطف في النصح ، والتقرب إلى قلوبهم ـ يا قوم ويا أهلى وعشيرتي : إنى لكم منذر واضح الإنذار ، ولا أسألكم على هذا الإنذار الخالص أجرا ، وإنما ألتمس أجرى من الله.
وإنى آمركم بثلاثة أشياء : أن تخلصوا لله ـ تعالى ـ العبادة ، وأن تتقوه في كل أقوالكم وأفعالكم ، وأن تطيعوني في كل ما آمركم به وأنهاكم عنه.
وافتتح كلامه معهم بالنداء (يا قَوْمِ) ، أملا في لفت أنظارهم إليه ، واستجابتهم له ، فإن النداء من شأنه التنبيه للمنادى.
ووصف إنذاره لهم بأنه (مُبِينٌ) ، ليشعرهم بأنه لا لبس في دعوته لهم إلى الحق ، ولا خفاء في كونهم يعرفونه ، ويعرفون حرصه على منفعتهم ...
وقال : (إِنِّي لَكُمْ) للإشارة الى أن فائدة استجابتهم له ، تعود عليهم لا عليه ، فهو مرسل من أجل سعادتهم وخيرهم.
وأمرهم بطاعته ، بعد أمرهم بعبادة الله وتقواه ، لأن طاعتهم له هي طاعة لله ـ تعالى ـ كما قال ـ تعالى ـ : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ).
ثم بين لهم ما يترتب على إخلاص عبادتهم لله ، وخشيتهم منه ـ سبحانه ـ ، وطاعتهم لنبيهم فقال : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ، وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).
وقوله : (يَغْفِرْ) مجزوم في جواب الأوامر الثلاثة ، و (مِنْ) للتبعيض أى : يغفر لكم بعض ذنوبكم ، وهي تلك التي اقترفوها قبل إيمانهم وطاعتهم لنبيهم ، أو الذنوب التي