تتعلق بحقوق الله ـ تعالى ـ دون حقوق العباد.
ويرى بعضهم أن «من» هنا زائدة لتوكيد هذه المغفرة. أى : يغفر لكم جميع ذنوبكم التي فرطت منكم ، متى آمنتم واتقيتم ربكم ، وأطعتم نبيكم.
(وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أى : ويؤخر آجالكم إلى وقت معين عنده ـ سبحانه ـ ، ويبارك لكم فيها ، بأن يجعلها عامرة بالعمل الصالح ، وبالحياة الآمنة الطيبة.
فأنت ترى أن نوحا ـ عليهالسلام ـ قد وعدهم بالخير الأخروى وهو مغفرة الذنوب يوم القيامة ، وبالخير الدنيوي وهو البركة في أعمارهم. وطول البقاء في هناء وسلام.
قال ابن كثير : (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أى : ويمد في أعماركم ، ويدرأ عنكم العذاب ، الذي إذا لم تنزجروا عما أنهاكم عنه : أوقعه ـ سبحانه ـ بكم.
وقد يستدل بهذه الآية من يقول : إن الطاعة والبر وصلة الرحم. يزاد بها في العمر حقيقة ، كما ورد به الحديث : «صلة الرحم تزيد في العمر» (١).
وقوله : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) بمنزلة التعليل لما قبله. أى : يغفر لكم ـ سبحانه ـ من ذنوبكم ، ويؤخركم إلى أجل معين عنده ـ تعالى ـ إن الوقت الذي حدده الله ـ عزوجل ـ لانتهاء أعماركم ، متى حضر ، لا يؤخر عن موعده ، (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أى : لو كنتم من أهل العلم لاستجبتم لنصائحى ، وامتثلتم أمرى ، وبذلك تنجون من العقاب الدنيوي والأخروى.
قال الآلوسى : قوله (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). أى : لو كنتم من أهل العلم لسارعتم لما آمركم به. لكنكم لستم من أهله في شيء ، لذا لم تسارعوا ، فجواب لو مما يتعلق بأول الكلام.
ويجوز أن يكون مما يتعلق بآخره. أى : لو كنتم من أهل العلم لعلمتم ذلك ، أى : عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر له. والفعل في الوجهين منزل منزلة اللازم .. (٢).
ثم قصت علينا الآيات الكريمة بعد ذلك ، ما قاله نوح لربه. على سبيل الشكوى والضراعة ، وما وجهه إلى قومه من نصائح فيها ما فيها من الترغيب والترهيب ، ومن الإرشاد الحكيم ، والتوجيه السديد .. قال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٥٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٧١.