وأَنَّا لَمَسْنَا) .. و (أَنَّا كُنَّا) .. و (أَنَّا لا نَدْرِي) .. و (أَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) .. و (أَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) .. و (أَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) (١).
وقوله : (تَعالى) من التعالي وهو شدة العلو. و (جَدُّ رَبِّنا) الجد ـ بفتح الجيم ـ العظمة والجلال.
قال القرطبي : الجد في اللغة : العظمة والجلال ، ومنه قول أنس : كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في عيوننا. أى : عظم. فمعنى جد ربنا : عظمته وجلاله.
وقيل معنى «جد ربنا ...» : غناه ، ومنه قيل للحظ جد. ورجل مجدود ، أى : محظوظ. وفي الحديث : «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» أى : ولا ينفع ذا الغنى منك غناه ، وإنما تنفعه الطاعة .. (٢).
وجملة (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) بيان وتفسير لما قبله.
أى : آمنا به ـ سبحانه ـ إيمانا حقا ، وصدقنا نبيه فيما جاءنا به من عنده ، وصدقنا ـ أيضا ـ أن الحال والشأن تعالى وتعاظم جلال ربنا ، وتنزه في ذاته وصفاته ، عن أن يكون له شريك في ملكه. أو أن تكون له صاحبة أو أن يكون له ولد ، كما زعم الزاعمون من الكافرين الجاهلين.
وفي هذا القول من هذا النفر من الجن ، رد على أولئك المشركين الذين كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله ـ تعالى ـ ، وأنهم ـ أى الملائكة ـ جاءوا عن طريق مصاهرته ـ سبحانه ـ للجن ، كما حكى عنهم ـ سبحانه ـ ذلك في قوله : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً ، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ، سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ).
ثم حكى ـ سبحانه ـ أقوالا أخرى لهؤلاء المؤمنين من الجن فقال : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً ..) والمراد بالسفيه هنا : إبليس ـ لعنه الله ـ ، وقيل المراد به الجنس فيشمل كل كافر ومتمرد من الجن ، والشطط ، مجاوزة الحد والعدل في كل شيء ، أى : أننا ننزه الله ـ تعالى ـ عما كان يقوله سفهاؤنا ـ وعلى رأسهم إبليس ـ من أن لله ـ عزوجل ـ صاحبة أو ولدا ، فإن هذا القول بعيد كل البعد عن الحق والعدل والصواب.
وقوله : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) اعتذار منهم عن كفرهم السابق ، فكأنهم يقولون بعد أن استمعوا إلى القرآن ، وآمنوا بالله ـ تعالى ـ وحده : إننا
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤١٦.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٨.