والتعبير بقوله ـ تعالى ـ : (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا ..) يحتمل أنهم قالوا ذلك فيما بينهم ، أو لإخوانهم الذين رجعوا إليهم ، كما في قوله ـ تعالى ـ في سورة الأحقاف : (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ...) ويحتمل أنهم قالوا ذلك في أنفسهم على سبيل الإعجاب ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) بل إننا نرجح أن قولهم هذا قد شمل كل ذلك ، لأن هذا هو الذي يتناسب مع إعجابهم بالقرآن الكريم ، ومع حرصهم على إيمان أكبر عدد منهم به.
ثم حكى ـ سبحانه ـ أن هذا النفر من الجن بعد استماعهم إلى القرآن وإيمانهم به ، أخذوا في الثناء على الخالق ـ عزوجل ـ فقال حكاية عنهم : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً).
ولفظ «وأن» قد تكرر في هذه السورة الكريمة أكثر من عشر مرات ، تارة بالإضافة الى ضمير الشأن ، وتارة بالإضافة الى ضمير المتكلم.
ومن القراء السبعة من قرأه بفتح الهمزة ، ومنهم من قرأه بكسرها ، فمن قرأ (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا ..) بالفتح فعلى أنه معطوف على محل الجار والمجرور في قوله (فَآمَنَّا بِهِ) فكأنه قيل : فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا .. ومن قرأ بالكسر فعلى أنه معطوف على المحكي بعد القول ، أى : قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا ، وقالوا : إنه تعالى جد ربنا ..
قال الجمل في حاشيته ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا ...) قرأه حمزة والكسائي وأبو عامر وحفص بفتح «أنّ» ، وقرأه الباقون بالكسر ..
وتلخيص هذا أن «أنّ» المشددة في هذه السورة على ثلاثة أقسام : قسم ليس معه واو العطف ، فهذا لا خلاف بين القراء في فتحه أو كسره ، على حسب ما جاءت به التلاوة واقتضته العربية ، كقوله : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ...) لا خلاف في فتحه لوقوعه موقع المصدر ، وكقوله : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) لا خلاف في كسره لأنه محكي بالقول.
القسم الثاني أن يقترن بالواو ، وهو أربع عشرة كلمة ، إحداها : لا خلاف في فتحها ، وهي قوله : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ...) وهذا هو القسم الثالث. والثانية وهي قوله : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ ...) كسرها ابن عامر وأبو بكر وفتحها الباقون.
والاثنتا عشرة الباقية ، فتحها بعضهم ، وكسرها بعضهم وهي قوله : ـ تعالى ـ : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) وقوله : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ) .. و (أَنَّا ظَنَنَّا) .. و (أَنَّهُ كانَ رِجالٌ) .. و (أَنَّهُمْ ظَنُّوا ..