وبلغهم القرآن ، وسيحاسبون على الأعمال يوم الحساب كما يحاسب الناس ، فمؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم وكل ذلك جاء صريحا في القرآن والسنة .. (١).
وقد افتتح ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يقول للناس ما حدث من الجن عند سماعهم للقرآن. فقال : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ..).
وفي هذا الأمر دلالة على أن المأمور به شيء هام ، يستدعى من السامعين التيقظ والانتباه ، والامتثال للمأمور به ، وتصديقه صلىاللهعليهوسلم فيما أخبر به.
والنفر : الجماعة من واحد إلى عشرة ، وأصله في اللغة الجماعة من الإنس فأطلق على الجماعة من الجن على وجه التشبيه.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ للناس ، إن الله ـ تعالى ـ قد أخبرك عن طريق أمين وحيه جبريل : أن جماعة من الجن قد استمعوا إليك وأنت تقرأ القرآن ..
فقالوا ـ على سبيل الفرح والإعجاب بما سمعوا ـ : (إِنَّا سَمِعْنا) من الرسول صلىاللهعليهوسلم (قُرْآناً عَجَباً) أى : إنا سمعنا قرآنا جليل الشأن ، بديع الأسلوب ، عظيم القدر ..
هذا القرآن (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) أى : إلى الخير والصواب والهدى (فَآمَنَّا بِهِ) إيمانا حقا ، لا يخالطه شك أو ريب (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) أى : فآمنا بما اشتمل عليه هذا الكتاب من دعوة إلى إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده ، ولن نشرك معه في العبادة أحدا كائنا من كان هذا الأحد.
والمقصود من أمره صلىاللهعليهوسلم بذلك ، دعوة مشركي قريش إلى الإيمان بالحق الذي جاء به صلىاللهعليهوسلم كما آمن جماعة من الجن به ، وإعلامهم بأن رسالته صلىاللهعليهوسلم تشمل الجن والإنس.
وضمير «أنه» للشأن ، وخبر «أن» جملة «استمع نفر من الجن» ، وتأكيد هذا الخبر بأن ، للاهتمام به لغرابته. ومفعول «استمع» محذوف لدلالة قوله : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) عليه.
ووصفهم للقرآن بكونه (قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) يدل على تأثرهم به تأثرا شديدا ، وعلى إعجابهم العظيم بنظمه المتقن ، وأسلوبه الحكيم ، ومعانيه البديعة .. ولذا أعلنوا إيمانهم به بدون تردد ، كما يشعر بذلك التعبير بالفاء في قوله : (فَآمَنَّا بِهِ ...).
__________________
(١) صفوة البيان ج ٢ ص ٤٧٠ فضيلة الشيخ حسنين مخلوف.