ويبدو لنا من مجموع الروايات ، أن لقاء النبي صلىاللهعليهوسلم بالجن قد تعدد ، وأنهم تارة استمعوا إليه صلىاللهعليهوسلم دون أن يراهم ، وتارة التقى بهم وقرأ عليهم القرآن (١).
قال الآلوسى : وقد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ست مرات ، ويجمع بذلك بين اختلاف الروايات في عددهم وفي غير ذلك. وذكر ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : صرفت الجن إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرتين .. (٢).
قال القرطبي : واختلف أهل العلم في أصل الجن. فعن الحسن البصري : أن الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون ، وهم شركاء في الثواب والعقاب ، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولى الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان ..
وعن ابن عباس : أن الجن هم ولد الجان وليسوا بشياطين ومنهم المؤمن والكافر ، والشياطين هم ولد إبليس ، لا يموتون إلا مع إبليس .. (٣).
وقال بعض العلماء : عالم الجن من العوالم الكونية ، كعالم الملائكة وقد أخبر الله ـ تعالى ـ أنه خلقه من مارج من نار ، أى : أن عنصر النار فيه هو الغالب ، وأنه يرى الأناسى وهم لا يرونه ، أى : بصورته الجبلية ، وإن كان يرى حين يتشكل بأشكال أخرى ، كما رئي جبريل حين تشكل بشكل آدمي.
وأخبر ـ سبحانه ـ بأن الجن قادرون على الأعمال الشاقة. وأن الله سخر الشياطين لسليمان يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ...
وأخبر بأن من الجن مؤمنين ، وأن منهم شياطين متمردين ، ومن هؤلاء إبليس اللعين.
ولم يختلف أهل الملل في وجودهم ، بل اعترفوا به كالمسلمين ، وإن اختلفوا في حقيقتهم ، ولا تلازم بين الوجود والعلم بالحقائق ، ولا بينه وبين الرؤية بالحواس ، فكثير من الأشياء الموجودة لا تزال حقائقها مجهولة ، وأسرارها محجوبة ، وكثير منها لا يرى بالحواس. ألا ترى الروح ـ وهي مما لا شك في وجودها في الإنسان والحيوان ـ لم يدرك كنهها أحد ولم يرها أحد ، وغاية ما علم من أمرها بعض صفاتها وآثارها ..
وقد بعث النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الجن ، كما بعث إلى الإنس ، فدعاهم الى التوحيد ، وأنذرهم
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢١٠ وج ١٩ ص ٢ ، تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٧٢.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٣٠ وج ٢٩ ص ٨٣.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٥.