وجيء بالجملة التي أضيف إليها لفظ «إذا» فعلا ماضيا ، للتنبيه على تحقق الوقوع. والآية الكريمة تشير إلى خيبة هؤلاء الكافرين ، وتلاشى آمالهم ... فإنهم في هذا اليوم سيفقدون الناصر لهم ، كما أنهم سيفقدونه من جهة أنفسهم ، لأنهم مهما كثر عددهم ، فهم مغلوبون.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله للمرة الرابعة ، أن يعلن للناس أن هذا اليوم الذي يأتى فيه نصر الله للمؤمنين لا يعلمه إلا هو ، فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ. أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ...).
أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الكافرين إن نصر الله لنا آت لا ريب فيه ، وعذاب الله لكم آت ـ أيضا ـ لا ريب فيه ، ولكني لا أدرى ولا أعلم أيتحقق ذلك في الوقت العاجل القريب ، أم يجعل الله ـ تعالى ـ لذلك «أمدا» أى : غاية ومدة معينة من الزمان ، لا يعلم وقتها إلا هو ـ سبحانه ـ.
والمقصود من الآية الكريمة : بيان أن العذاب نازل بهم قطعا ولكن موعده قد يكون بعد وقت قريب ، وقد يكون بعد وقت بعيد ، لأن تحديد هذا الوقت مرده إلى الله ـ تعالى ـ وحده.
وقوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) تعليل لما قبله. أى : أنا لا أدرى متى يكون عذابكم ـ أيها الكافرون ـ لأن مرد علم ذلك إلى الله ـ تعالى ـ الذي هو عليم بكل شيء من الظواهر والبواطن ، والذي اقتضت حكمته أن لا يطلع أحدا على غيوبه ، وعلى ما استتر وخفى من أمور خلقه.
وقوله : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) استثناء من النفي في قوله : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً).
أى : هو ـ سبحانه ـ عالم الغيب ، فلا يطلع على غيبه أحدا من خلقه ، إلا الرسول الذي ارتضاه واختاره من خلقه ، فإنه ـ سبحانه ـ قد يطلعه على بعض غيوبه ، ليكون ذلك معجزة له ، دالة على صدقه أمام قومه.
فإذا ما أراد ـ سبحانه ـ إطلاع رسوله المصطفى لحمل رسالته على بعض غيوبه ، سخر له من جميع جوانبه حرسا من الملائكة يحرسونه من وسوسة الشيطان ونوازعه ، ومن كل ما يتعارض مع توصيل وحيه ـ سبحانه ـ إلى رسله ، بكل أمانة وصيانة.
ومعنى (مَنِ ارْتَضى ...) : من اختار واصطفى واجتبى ، وعبر عن ذلك بقوله (مَنِ ارْتَضى) ، للإشعار بأنه ـ سبحانه ـ يخص هؤلاء الذين رضى عنهم ورضوا عنه بالاطلاع على بعض غيوبه ، على سبيل التأييد والتكريم لهم.