و «من» في قوله (مِنْ رَسُولٍ) للبيان. والمراد بالرسول هنا : ما يشمل كل رسول اختاره ـ سبحانه ـ لحمل رسالته ، سواء أكان من البشر أم من الملائكة.
والضمير في قوله ـ تعالى ـ (فَإِنَّهُ) و (يَسْلُكُ) يعودان على الله ـ عزوجل ـ وأطلق السلك على إيصال الخبر إلى الرسول المرتضى ، للإشعار بأن هذا الخبر الذي أطلع الله ـ تعالى ـ رسوله عليه ، قد وصل إليه وصولا مؤكدا ، ومحفوظا من كل تحريف ، كما يدخل الشيء في الشيء دخولا تاما بقوة وضبط ، إذ حقيقة السلك. إدخال الشيء في الشيء بشدة وعناية ...
والمراد بقوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) جميع الجهات ، وعبر عن جميع الجهات بذلك ، لأن معظم ما يتعرض له الإنسان يكون من هاتين الجهتين.
والرصد : جمع راصد ، وهو ما يحفظ الشيء ، ويصونه من كل ما لا يريده ، أى : إلا من ارتضى ـ سبحانه ـ من رسول ، فإنه ـ عزوجل ـ يطلعه على ما يشاؤه من غيوبه ، ويجعل له حراسا من جميع جوانبه ، يحفظونه من كل سوء.
قال الآلوسى : قوله : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ...) أى : لكن الرسول المرتضى بظهره ـ جل وعلا ـ على بعض الغيوب المتعلقة برسالته ... إما لكون بعض هذه الغيوب من مباديها ، بأن يكون معجزة ، وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية ، وكيفيات الأعمال وأجزيتها ، ونحو ذلك من الأمور الغيبية ، التي بيانها من وظائف الرسالة.
بأن يسلك من جميع جوانبه عند اطلاعه على ذلك ، حرسا من الملائكة يحرسونه من تعرض الشياطين ، لما أريد اطلاعه عليه ... (١).
واللام في قوله ـ تعالى ـ : (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ...) متعلقة بقوله (يَسْلُكُ).
والضمير في (لِيَعْلَمَ) يعود إلى الله ـ تعالى ـ ، والمراد بالعلم : علم المشاهدة الذي يترتب عليه الجزاء ، أى : أطلع الله ـ تعالى ـ من ارتضاهم على بعض غيوبه ، وحرسهم من وصول الشياطين إلى هذا الذي أظهرهم عليه من غيوب ... ليعلم ـ تعالى ـ علم مشاهدة يترتب عليه الجزاء ، أن الرسل قد أبلغوا رسالته ـ سبحانه ـ إلى خلقه ، وأنه ـ تعالى ـ قد (أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) أى : أحاط علمه ـ تعالى ـ بكل ما لدى الرسل وغيرهم من أقوال
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٩٦.