وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه السورة الكريمة روايات منها ما رواه البزار والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في الدلائل عن جابر ـ رضى الله عنه ـ قال : اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسما تصدوا الناس عنه فقالوا : كاهن. قالوا : ليس بكاهن. قالوا : مجنون. قالوا : ليس بمجنون. قالوا : ساحر. قالوا : ليس بساحر ... فتفرق المشركون على ذلك. فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها. فأتاه جبريل فقرأ عليه : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ...).
وقيل : إنه صلىاللهعليهوسلم كان نائما بالليل متزملا في قطيفة ... فجاءه جبريل بقوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ...).
وقيل : إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : جاورت بحراء ، فلما قضيت جواري ، هبطت ، فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ... فرفعت رأسى فإذا الذي جاءني بحراء ، جالس على كرسي بين السماء والأرض ... فرجعت فقلت : دثروني دثروني ، وفي رواية : فجئت أهلى فقلت : زملوني زملوني ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ...) (١).
وجمهور العلماء يقولون : وعلى أثرها نزلت : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ...).
و (الْمُزَّمِّلُ) : اسم فاعل من تزمل فلان بثيابه ، إذا تلفف فيها ، وأصله المتزمل ، فأدغمت التاء في الزاى والميم.
وافتتح الكلام بالنداء للتنبيه على أهمية ما يلقى على المخاطب من أوامر أو نواه.
وفي ندائه صلىاللهعليهوسلم بلفظ «المزمل» تلطف معه ، وإيناس لنفسه ، وتحبب إليه ، حتى يزداد نشاطا ، وهو يبلغ رسالة ربه.
والمعنى : يا أيها المتزمل بثيابه ، المتلفف فيها ، رهبة مما رآه من عبدنا جبريل. أو هما وغما مما سمعه من المشركين ، من وصفهم له بصفات هو برىء منها.
(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) أى : قم الليل متعبدا لربك ، (إِلَّا قَلِيلاً) منه ، على قدر ما تأخذ من راحة لبدنك ، فقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) استثناء من الليل ...
وقوله (نِصْفَهُ) بدل من (قَلِيلاً) بدل كل من كل ، على سبيل التفصيل بعد الإجمال ...
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٣٢ تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٠١.