والتعبير بقوله : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ ...) ليس من قبيل التخيير ، وإنما المقصود به الحض والحث على سلوك الطريق الموصل إلى الله ـ تعالى ـ بدليل قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) أى : هذه الآيات تذكرة وموعظة ، فمن ترك العمل بها ساءت عاقبته ، ولم يكن من الذين سلكوا طريق النجاة.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا ، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة ، ـ من أول السورة إلى هنا ـ ، يراها قد نادت الرسول صلىاللهعليهوسلم نداء فيه ما فيه من الملاطفة والمؤانسة ، وأمرته بأن يقوم الليل إلا قليلا متعبدا لربه ، كما أمرته بالصبر على أذى المشركين ، حتى يحكم الله ـ تعالى ـ بينه وبينهم.
كما يراها قد هددت المكذبين بأشد أنواع التهديد. وذكرتهم بأهوال يوم القيامة ، وبما حل بالمكذبين من قبلهم ، وحرضتهم على سلوك الطريق المستقيم.
وبعد هذه الإنذارات المتعددة للمكذبين ، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن قيام الليل لعبادة الله ـ تعالى ـ وطاعته ... فقال ـ سبحانه ـ :
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٠)
والمراد بالقيام في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ...) التهجد بالليل عن طريق الصلاة تقربا إلى الله ـ تعالى ـ.
وقوله : (أَدْنى) بمعنى أقرب ، من الدنو بمعنى القرب ، تقول : رأيت فلانا أدنى إلى فعل