وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)(٣٧)
قال الإمام ابن كثير : يقول الله ـ تعالى ـ : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ) أى : خزانها (إِلَّا مَلائِكَةً) أى : غلاظا شدادا. وذلك رد على مشركي قريش حين ذكر عدد الخزنة. فقال أبو جهل : يا معشر قريش ، أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم؟ فقال الله ـ تعالى ـ :
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً). أى : شديدي الخلق لا يقاومون ولا يغالبون.
وقد قيل : إن أبا الأشد ـ واسمه : كلدة بن أسيد بن خلف ـ قال : يا معشر قريش ، اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم سبعة عشر ، إعجابا منه بنفسه ، وكان قد بلغ من القوة ـ فيما يزعمون ـ أنه كان يقف على جلد البقرة. ويجاذبه عشرة لينتزعوه من تحت قدميه ، فيتمزق الجلد ، ولا يتزحزح عنه .. (١).
وقال الجمل في حاشيته : قال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ). قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم! محمد صلىاللهعليهوسلم يخبر أن خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الشجعان ، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم؟.
فقال أبو الأشد : أنا أكفيكم منهم سبعة عشر ، عشرة على ظهري ، وسبعة على بطني.
واكفوني أنتم اثنين .. فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ..) (٢).
والمقصود من هذه الآية الكريمة الرد على المشركين ، الذين سخروا من النبي صلىاللهعليهوسلم عند ما عرفوا منه أن على سقر تسعة عشر ملكا يتولون أمرها ..
أى : إننا أوجدنا النار لعذاب الكافرين ، وما جعلنا خزنتها إلا من الملائكة الغلاظ الشداد ، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، والذين لا قدرة لأحد من البشر على مقاومتهم أو مخالفة أمرهم ، لأنهم أشد بأسا ، وأقوى بطشا من كافة الإنس والجن ..
والاستثناء من عموم الأنواع. أى : وما جعلنا أصحاب النار إلا من نوع الملائكة ، الذين لا قدرة لأحد من البشر على مقاومتهم ..
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٩٤.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٤٠.