بداخله ، ويصح أن يطلق الكأس على الخمر ذاتها على سبيل المجاز ، من باب تسمية الحال باسم المحل ، وهو المراد هنا. لقوله ـ تعالى ـ (كانَ مِزاجُها كافُوراً). و «من» للتبعيض.
والضمير في قوله (مِزاجُها) يعود إلى الكأس التي أريد بها الخمر ، والمراد «بمزاجها» : خليطها من المزج بمعنى الخلط يقال : مزجت الشيء بالشيء ، إذا خلطته به.
والكافور : اسم لسائل طيب الرائحة ، أبيض اللون ، تميل إليه النفوس.
أى : إن المؤمنين الصادقين ، الذين أخلصوا لله ـ تعالى ـ الطاعة والعبادة والشكر .. يكافئهم ـ سبحانه ـ على ذلك ، بأن يجعلهم يوم القيامة في جنات عالية ، ويتمتعون بالشراب من خمر ، هذه الخمر كانت مخلوطة بالكافور الذي تنتعش له النفوس ، وتحبه الأرواح والقلوب ، لطيب رائحته ، وجمال شكله.
وذكر ـ سبحانه ـ هذه الأشياء في هذه السورة ـ من الكافور ـ والزنجبيل ، وغيرهما ، لتحريض العقلاء على الظفر في الآخرة بهذه المتع التي كانوا يشتهونها في الدنيا ، على سبيل تقريب الأمور لهم ، وإلا فنعيم الآخرة لا يقاس في لذته ودوامه بالنسبة لنعيم الدنيا الفاني.
قال ابن عباس : كل ما ذكر في القرآن مما في الجنة وسماه ، ليس له من الدنيا شبيه إلا في الاسم. فالكافور ، والزنجبيل ، والأشجار والقصور ، والمأكول والمشروب ، والملبوس والثمار ، لا يشبه ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم.
وقوله ـ سبحانه ـ (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ ..) بدل من قوله : (كانَ مِزاجُها كافُوراً) لأن ماءها في بياض الكافور وفي رائحته وبرودته.
أى : أن الأبرار يشربون من كأس ، ماؤها ينبع من عين في الجنة ، هذا الماء له بياض الكافور ورائحته وبرودته.
وعدى فعل «يشرب» بالباء ، التي هي باء الإلصاق ، لأن الكافور يمزج به شرابهم. أى ؛ عينا يشرب عباد الله ماءهم وخمرهم بها. أى : مصحوبا بمائها وخمرها.
ومنهم من جعل الباء هنا بمعنى من التبعيضية. أى : عينا يشرب من بعض مائها وخمرها عباد الله ، وهم الأبرار.
وعبر عنهم بذلك لتشريفهم وتكريمهم ، حيث أضافهم ـ سبحانه ـ إلى ذاته.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولا ، وبحرف الإلصاق آخرا؟ قلت : لأن الكأس مبدأ شربهم وأول غايته ، وأما العين فبها يمزجون