وهو السلاسة ، فقال : شراب سلسل وسلسال وسلسبيل ، وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية. ودلت على غاية السلاسة .. (١).
ثم أخبر ـ سبحانه ـ عن نوع آخر من الخدم ، يطوفون على هؤلاء الأبرار لخدمتهم ، فقال : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ، إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً).
أى : ويطوف على هؤلاء الأبرار (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أى : دائمون على ما هم عليه من النضارة والشباب .. إذا رأيتهم ـ أيها المخاطب (حَسِبْتَهُمْ) وظننتهم (لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) أى : حسبتهم من حسنهم ، وصفاء ألوانهم ، ونضارة وجوههم .. لؤلؤا ودرا مفرقا في جنبات المجالس وأوسطها.
فقوله ـ تعالى ـ (مُخَلَّدُونَ) احتراس المقصود منه دفع توهم أنهم سيصيرون في يوم من الأيام كهولا ، قالوا : وشبهوا باللؤلؤ المنثور ، لأن اللؤلؤ إذا نثر على البساط ، كان أكثر جمالا منه فيما لو كان منظوما.
(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) وثم هنا ظرف مكان مختص بالبعيد ، وهو منصوب على الظرفية ، ومفعول الرؤية غير مذكور ، لأن القصد : وإذا صدرت منك ـ أيها المخاطب رؤية إلى هناك ، أى : إلى الجنة ونعيمها .. (رَأَيْتَ نَعِيماً) لا يقادر قدره (وَمُلْكاً كَبِيراً) أى : واسعا لا غاية له.
فقوله ـ سبحانه ـ (رَأَيْتَ) الثانية ، جواب إذا. والشمار إليه «بثمّ» التي هي بمعنى هناك معلوم من المقام ، لأن المقصود به الجنة التي سبق الحديث عنها في مثل قوله : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) أى : وإذا سرحت ببصرك إلى هناك رأيت نعيما وملكا كبيرا.
ثم فصل ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر هذا النعيم العظيم فقال (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ، وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ، وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً).
وقوله (عالِيَهُمْ) بفتح الياء وضم الهاء ـ بمعنى فوقهم ، فهو ظرف خبر مقدم ، وثياب مبتدأ مؤخر ، كأنه قيل : فوقهم ثياب ويصح أن يكون حالا للأبرار. أى : تلك حال أهل النعيم والملك الكبير وهم الأبرار.
وقرأ نافع وحمزة (عالِيَهُمْ) ـ بسكون الياء وكسر الهاء ـ على أن الكلام جملة مستأنفة استئنافا بيانيا ، لقوله ـ تعالى ـ (رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) ، ويكون لفظ (عالِيَهُمْ) أسم فاعل مبتدأ.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٧٢.