وقوله (عُذْراً أَوْ نُذْراً) منصوبان على أنهما بدل اشتمال من قوله (ذِكْراً) أو مفعول لأجله. أى : أن الملائكة يلقون وحى الله ـ تعالى ـ إلى أنبيائه ، لإزالة أعذار المعتذرين عن الإيمان ، حتى لا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ، ولإنذار الكافرين والفاسقين ، حتى يقلعوا عن كفرهم وفسوقهم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت ما العذر والنذر ، وبما ذا انتصبا؟ قلت : هما مصدران من أعذر إذا محا الإساءة ، ومن أنذر إذا خوف على فعل كالكفر والنكر ، ويجوز أن يكون جمع عذير ، بمعنى المعذرة ، وجمع نذير بمعنى الإنذار ... وأما انتصابهما فعلى البدل من ذكرا ... أو على المفعول له .. (١).
وجملة (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) جواب القسم ، وجيء بها مؤكدة ، لتقوية تحقيق وقوع الجواب ، وما وعدوا به هو البعث والحساب.
أى : وحق الرياح المرسلة لعذاب المشركين .. وحق الملائكة الذين نرسلهم بوحينا للتفريق بين الحق والباطل ، ولتبليغ رسلنا ما كلفناهم به .. إنكم ـ أيها الكافرون ـ لمبعوثون ومحاسبون على أعمالكم يوم القيامة الذي لا شك في وقوعه وحصوله وثبوته.
ثم بين ـ سبحانه ـ علامات هذا اليوم فقال : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) أى : محقت وذهب ضوؤها ، وزال نورها. يقال : طمست الشيء ، من باب ضرب ـ إذا محوته واستأصلت أثره ، (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) أى : شقت أو فتحت ، وتدلت أرجاؤها ، ووهت أطرافها. (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) أى : اقتلعت وأزيلت من أماكنها. يقال : نسف فلان البناء ينسفه ، إذا قلعه من أصله.
(وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) أى : بلغت وقتها الذي كانت تنتظره ، وهو يوم القيامة ، للقضاء بينهم وبين أقوامهم. فقوله : (أُقِّتَتْ) من التوقيت ، وهو جعل الشيء منتهيا إلى وقته المحدد له.
قال الآلوسى : قوله (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) أى : بلغت ميقاتها. وجوز أن يكون المعنى : عين لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على الأمم ، وذلك عند مجيء يوم القيامة .. (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٧٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٧٢.