فالكاف بمعنى مثل ، والإشارة في قوله : (كَذلِكَ) تعود إلى الفعل المأخوذ من قوله (نَفْعَلُ) أى ؛ مثل ذلك الفعل نفعل بالمجرمين.
ثم كرر ـ سبحانه ـ التهديد والوعيد لهم ، لعلهم يرتدعون أو يتعظون فقال : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).
ثم قال ـ سبحانه ـ ممتنا على خلقه بإيجادهم في هذه الحياة ، ومحتجا على إمكان الإعادة بخلقهم ولم يكونوا شيئا مذكورا ، فقال : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ).
أى : لقد خلقناكم ـ أيها الناس ـ من نطفة حقيرة ضعيفة ، من مهن الشيء ـ بفتح الميم وضم الهاء ـ إذا ضعف ، وميمه أصلية ، وليس هو من مادة هان ، و «من» ابتدائية.
وقوله : (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) تفصيل لكيفية الخلق على سبيل الإدماج ، والقرار : اسم للمكان الذي يستقر فيه الماء ، والمراد به رحم المرأة. والمكين صفة له.
أى : خلقناكم من ماء ضعيف ، ومن مظاهر قدرتنا وحكمتنا ولطفنا بكم أننا جعلنا هذا الماء الذي خلقتم منه ، في مكان حصين ، قد بلغ النهاية في تمكنه وثباته.
فقوله (مَكِينٍ) بمعنى متمكن ، من مكن الشيء مكانة ، إذا ثبت ورسخ.
وقوله : (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) بيان لبديع حكمته ، والقدر بمعنى المقدار المحدد المنضبط ، الذي لا يتخلف.
أى : جعلنا هذا الماء في قرار مكين ، إلى وقت معين محدد في علم الله ـ تعالى ـ يأذن عنده بخروج هذا المخلوق من رحم أمه ، إلى الحياة ، وهذا الوقت هو مدة الحمل.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) ثناء منه ـ تعالى ـ على ذاته بما هو أهله. أى : فقدّرنا ذلك الخلق تقديرا حكيما منضبطا ، وتمكنا من إيجاده في أطوار متعددة ، فنعم المقدرون نحن ، ونعم الموجدون نحن لما نوجده من مخلوقات.
وما دام الأمر كذلك فويل وهلاك يوم القيامة ، للمكذبين بوحدانيتنا وقدرتنا.
ثم انتقل ـ سبحانه ـ إلى الاستدلال على إمكانية البعث بطريق ثالث فقال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً ، وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ).
والكفات : اسم للمكان الذي يكفت فيه الشيء. أى ؛ يجمع ويضم ويوضع فيه.
يقال : كفت فلان الشيء يكفته كفتا ، من باب ضرب ـ إذا جمعه ووضعه بداخل شيء معين ، ومنه سمى الوعاء كفاتا ، لأن الشيء يوضع بداخله ، وهو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله (نَجْعَلِ) ، لأن الجعل هنا بمعنى التصيير.