وقوله : (أَحْياءً وَأَمْواتاً) منصوبان على أنهما مفعولان به ، لقوله (كِفاتاً). أو مفعولان لفعل محذوف.
أى : لقد جعلنا الأرض وعاء ومكانا تجتمع فيه الخلائق : الأحياء منهم يعيشون فوقها ، والأموات منهم يدفنون في باطنها ، (وَجَعَلْنا فِيها) ـ أيضا ـ جبالا (رَواسِيَ) أى : ثوابت (شامِخاتٍ) أى : مرتفعات ارتفاعا كبيرا ، جمع شامخ وهو الشديد الارتفاع.
قال صاحب الكشاف : الكفات : من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه .. وبه انتصب (أَحْياءً وَأَمْواتاً) كأنه قيل : كافتة أحياء وأمواتا ، أو انتصبا بفعل مضمر يدل عليه ، وهو تكفت.
والمعنى : تكفت أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطنها.
فإن قلت : لم قيل أحياء وأمواتا على التنكير ، وهي كفات الأحياء والأموات جميعا؟ قلت : هو من تنكير التفخيم ، كأنه قيل : تكفت أحياء لا يعدون ، وأمواتا لا يحصرون .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) بيان لنعمة أخرى من أجل نعمه على خلقه ، أى : وأسقيناكم ـ بفضلنا ورحمتنا ـ ماء (فُراتاً) أى : عذبا سائغا للشاربين.
وقوله ـ تعالى ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تكرير للتوبيخ والتقريع على جحودهم لنعم الله ، التي يرونها بأعينهم ، ويحسونها بحواسهم ويستعملونها لمنفعتهم.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان المصير الأليم الذي ينتظر هؤلاء المكذبين ، فقال ـ تعالى ـ : (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ. لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ. إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ. كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (انْطَلِقُوا) مفعول لقول محذوف. أى : يقال للكافرين يوم القيامة ـ على سبيل الإهانة والإذلال ـ : انطلقوا إلى ما كنتم تكذبون به في الدنيا من العذاب.
وقوله : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ ..) بدل مما قبله ، وأعيد فعل (انْطَلِقُوا ..) على سبيل التوكيد ، لقصد الزيادة في تقريعهم وتوبيخهم.
والمراد بالظل : دخان جهنم ، وسمى بذلك لشدة كثافته ، أى : انطلقوا ـ أيها المشركون ـ إلى ظل من دخان جهنم الذي يتصاعد من وقودها ، ثم يتفرق بعد ذلك إلى ثلاث شعب ، شأن الدخان العظيم عند ما يرتفع.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٨٠.