الأرض كالفراش الممهد الموطأ ، لتتمكنوا من الاستقرار عليها ، ومن التقلب فيها .. كما يتقلب الطفل في مهده ، أى : فراشه.
والمهاد : مصدر بمعنى الفراش الموطأ الممهد ، وهو اسم لما يوضع للصبي لكي ينام عليه ، ووصفت الأرض به على سبيل المبالغة في جعلها مكان استقرار الناس وانتفاعهم وراحتهم ، والكلام على سبيل التشبيه البليغ ، أو على حذف مضاف.
وجعل بمعنى صير. أى : لقد صيرنا الأرض بقدرتنا كفراش الصبى بالنسبة لكم ، حيث تتقلبون عليها كما يتقلب الصبى في فراشه .. أو صيرناها ذات مهاد.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : كيف اتصل قوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) بما قبله؟. قلت : لما أنكروا البعث قيل لهم : ألم يخلق من يضاف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة الدالة على كمال قدرته ، فما وجه إنكار قدرته على البعث. وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات؟
ومهادا : فراشا ، وقرئ : مهدا. ومعناه : أنها لهم كالمهد للصبي ، وهو ما يمهد له فينوّم عليه ، تسمية للممهود بالمصدر ، كضرب الأمير. أو وصفت بالمصدر ، أو بمعنى ذات مهد ... (١).
وقوله : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) معطوف على ما قبله ، والأوتاد : جمع وتد ، وهو ما يشد به الشيء حتى لا يتحرك أو يضطرب ، والكلام على التشبيه ـ أيضا ـ.
أى : لقد صيرنا ـ بقدرتنا ـ الأرض كالمهاد لتتمكنوا من الاستقرار عليها .. وجعلنا الجبال كالأوتاد للأرض ، لئلا تميد أو تضطرب بكم .. كما قال ـ تعالى ـ : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ..) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) دليل ثالث على قدرته ، والأزواج : جمع زوج. وهو اسم للعدد الذي يكرر الواحد منه مرة واحدة ، والمراد به هنا : الذكور والإناث.
أى : ومن مظاهر قدرتنا أننا خلقناكم ـ يا بنى آدم ـ مزدوجين ، أى : ذكرا وأنثى ، ليتأتى التناسل ، وحفظ النوع من الانقراض ، وتنظيم أمر المعاش في الأرض ، عن طريق استمتاع كل نوع بالآخر ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ..) (٣).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٨٥.
(٢) سورة النحل الآية ١٥.
(٣) سورة الروم الآية ٢١.