قال الآلوسى : (أَزْواجاً) أى : مزدوجين ذكرا وأنثى ليتسنى التناسل.
وقيل أزواجا : أى : أصنافا في اللون والصورة واللسان. وقيل : يجوز أن يكون المراد من الخلق أزواجا : الخلق من منيين : منى الرجل ومنى المرأة .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) بيان لدليل رابع على قدرته ـ تعالى ـ على البعث. و «السبات» مصدر بمعنى السبت ، أى : القطع ، يقال : سبت فلان الشيء سبتا ، إذا قطعه ، وسبت فلان شعره ، إذا حلقه وأزاله ـ وفعله كضرب ونصر ـ.
ويصح أن يكون قوله سباتا من السبت بمعنى الراحة والسكون ، يقال : سبت فلان يسبت ، إذا استراح بعد تعب ، ومنه سمى يوم السبت ، لأن اليهود ينقطعون فيه عن أعمالهم للراحة.
والمعنى : وجعلنا ـ بمقتضى حكمتنا ورحمتنا ـ نومكم «سباتا» أى : قطعا للحركة ، لتحصل لكم للراحة التي لا تستطيعون مواصلة العمل إلا بعدها.
وهذه الحالة التي لا بد لكم منها ، وهي الراحة بعد عناء العمل عن طريق النوم ثم استيقاظكم منه ، أشبه ما تكون بإعادة الحياة إليكم بعد موتكم ..
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) بيان لنعمة أخرى من نعمه التي لا تحصى ، والتي تدل على كمال قدرته. أى : وجعلنا ـ بقدرتنا ورحمتنا ـ الليل كاللباس الساتر لكم ، فهو يلفكم بظلمته ، كما يلف اللباس صاحبه .. كما أننا جعلنا النهار وقت معاشكم ، لكي تحصلوا فيه ما أنتم في حاجة إلى تحصيله من أرزاق ومنافع.
ووصف ـ سبحانه ـ الليل بأنه كاللباس ، والنهار بأنه وقت المعاش ، لأن الشأن فيهما كذلك ، إذ الليل هو وقت الراحة والسكون والاختلاء .. والنهار هو وقت السعى والحركة والانتشار.
ثم لفت ـ سبحانه ـ الأنظار إلى مظاهر قدرته في خلق السموات فقال : (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً).
أى : وبنينا وأوجدنا بقدرتنا التي لا يعجزها شيء ، فوقكم ـ أيها الناس ـ سبع سماوات قويات محكمات ، لا يتطرق إليهن فطور أو شقوق على مر العصور ، وكر الدهور.
فقوله (شِداداً) جمع شديدة ، وهي الهيئة الموصوفة بالشدة والقوة.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) نعمة أخرى من نعمه الدالة على قدرته.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٧.