قال ابن كثير : قال قتادة ، عن أبى أيوب الأزدى ، عن عبد الله بن عمرو قال : لم ينزل في شأن أهل النار آية أشد من هذه الآية (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) قال : فهم في مزيد من العذاب أبدا ... (١).
وكعادة القرآن الكريم في الموازنة بين عاقبة الأشرار والأخيار ، جاء الحديث عن حسن عاقبة المتقين ، بعد الحديث عن سوء عاقبة الطاغين فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) أى : للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل مالا يرضى ربهم ... (مَفازاً) أى : فوزا برضوانه وجنته فقوله (مَفازاً) مصدر بمعنى الفوز والظفر بالمطلوب ، وتنوينه للتعظيم.
ثم فصل ـ سبحانه ـ مظاهر هذا الفوز فقال : (حَدائِقَ وَأَعْناباً) أى : إن لهم في هذه الجنان التي ظفروا بها حدائق ، أى : بساتين فيها ماء وأشجار مثمرة ... سميت بذلك تشبيها لها بحدقة العين في الهيئة ، وحصول الماء فيها.
وإن لهم ـ كذلك ـ في هذه الجنان (أَعْناباً) جمع عنب ، وهو الكرم ، وخصت الأعناب بالذكر ، لأنها من أعظم الفواكه وأحبها إلى النفوس.
وإن لهم ـ أيضا ـ (كَواعِبَ أَتْراباً) أى : فتيات في ريعان الشباب ، قد تقاربت أعمارهن ، وتساوين في الجمال والنضارة وحسن الهيئة.
فالكواعب ، جمع كاعب ، وهي الفتاة التي وصلت إلى سن البلوغ ، وسميت بذلك لأنها في تلك السن يتكعب ثدياها ، أى : يستديران مع ارتفاع ...
والأتراب ، جمع ترب ـ بكسر التاء وسكون الراء ـ وهو المساوى لغيره في السن ، وأكثر ما يطلق هذا اللفظ على الإناث. قيل : سمى من تقاربن في السن بذلك ، على سبيل التشبيه بالترائب ، أى : بالضلوع التي في الصدر في التساوي ...
وإن لهم ـ أيضا ـ (كَأْساً دِهاقاً) أى : كأسا مليئة بالخمر. يقال دهق الحوض ـ كجعل ـ وأدهقه ، إذا ملأه حتى فاض من جوانبه.
(لا يَسْمَعُونَ فِيها) أى : في الجنة (لَغْواً) أى : كلاما ساقطا لا يعتد به. ولا يسمعون ـ أيضا ـ (كِذَّاباً) أى كلاما كاذبا.
وقوله ـ سبحانه ـ : (جَزاءً مِنْ رَبِّك عَطاءً حِساباً) بيان لمظاهر فضله ومننه على هؤلاء المتقين ... وقوله : (جَزاءً) منصوب بفعل محذوف من لفظه ، و (مِنْ) ابتدائية.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٣١.٠٠.