أى : هؤلاء المتقون كوفئوا مكافأة صادرة من ربك على سبيل العطاء أى : الإحسان والتفضل ، حتى شيعوا واكتفوا.
فقوله : (حِساباً) صفة للعطاء وهو بمعنى كاف. فهو مصدر أقيم مقام الوصف ، من قولهم : أحسبه الشيء ، إذا كفاه حتى قال حسبي ، أى : كافينى.
قال صاحب الكشاف : و (حِساباً) صفة بمعنى كافيا ، من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي ... (١).
ويصح أن يكون قوله (حِساباً) معناه «محسوبا». أى : كافأهم الله ـ تعالى ـ على أعمالهم الحسنة في الدنيا مكافأة محسوبة ، على قدر أعمالهم الطيبة.
وقوله : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ ...) قرأه بعضهم بجر لفظ «رب» على أنه بدل «من ربك» ، وقرأه البعض الآخر بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.
أى : هذا الجزاء العظيم للمتقين هو كائن من ربك ، الذي هو رب أهل السموات وأهل الأرض ، ورب ما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا هو ، وهو ـ سبحانه ـ صاحب الرحمة الواسعة العظيمة التي لا تقاربها رحمة ...
وقوله : (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) مقرر ومؤكد لما قبله ، من كونه ـ تعالى ـ هو رب كل شيء. أى : أهل السموات والأرض وما بينهما ، خاضعون ومربوبون لله ـ تعال ـ الواحد القهار ، الذي لا يقدر أحد منهم ـ كائنا من كان ـ أن يخاطبه إلا بإذنه ، ولا يملك أن يفعل ذلك إلا بمشيئته.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وقوله ـ سبحانه ـ : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (٢).
والظرف في قوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ...) متعلق بقوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) ... والمراد بالروح : جبريل ـ عليهالسلام ـ. أى : لا يملك أحد أن يخاطب الله ـ تعالى ـ إلا بإذنه ، يوم القيامة ، ويوم يقوم جبريل ـ عليهالسلام ـ بين يدي خالقه قيام تذلل وخضوع ، ويقوم الملائكة ـ أيضا ـ قياما كله أدب وخشوع ، وهم في صفوف منتظمة.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٩٠.
(٢) سورة هود الآية ١٠٥.