وقوله : (غَرْقاً) اسم مصدر من أغرق ، وأصله إغراقا. والإغراق في الشيء ، المبالغة فيه والوصول به إلى نهايته ، يقال : أغرق فلان هذا الأمر ، إذا أوغل فيه ، ومنه قوله : نزع فلان في القوس فأغرق ، أى : بلغ غاية المد حتى انتهى إلى النّصل.
وهو منصوب على المصدرية ، لالتقائه مع اللفظ الذي قبله في المعنى ، وكذلك الشأن بالنسبة للألفاظ التي بعده ، وهي : «نشطا» و «سبحا» و «سبقا».
والمعنى : وحق الملائكة الذين ينزعون أرواح الكافرين من أجسادهم ، نزعا شديدا ، يبلغ الغاية في القسوة والغلظة.
ويشير إلى هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ في آيات متعددة ، منها قوله ـ سبحانه ـ : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ، الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).
وقوله : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) : المقصود به طائفة أخرى من الملائكة. والناشطات من النّشط ، وهو السرعة في العمل ، والخفة في أخذ الشيء ، ومنه الأنشوطة ، للعقدة التي يسهل حلها ، ويقال : نشطت الدلو من البئر ـ من باب ضرب ـ إذا نزعتها بسرعة وخفة.
أى : وحق الملائكة الذين ينشطون ويسرعون إسراعا شديدا لقبض أرواح المؤمنين بخفة وسهولة ويقولون لهم ـ على سبيل البشارة والتكريم ـ : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) قسم ثالث بطائفة ثالثة من طوائف الملائكة ، التي تسبح في هذا الكون ، أى : تنطلق بسرعة لتنفيذ أمر الله ـ تعالى ـ ، ولتسبيحه ، وتحميده ، وتكبيره ، وتقديسه.
أى : وحق الملائكة الذين يسرعون التنقل في هذا الكون إسراعا شديدا ، لتنفيذ ما كلفهم ـ سبحانه ـ به ، ولتسبيحه وتنزيهه عن كل نقص ...
وقوله ـ تعالى ـ : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) المقصود به طائفة رابعة من الملائكة ، تسبق غيرها في تنفيذ أمر الله ـ تعالى ـ ، إذ السبق معناه : أن يتجاوز السائر من يسير معه ، ويسبقه إلى المكان المقصود الوصول إليه ، كما قال ـ تعالى ـ في صفات المتقين : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ).
وقوله : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) المقصود به طائفة خامسة من الملائكة ، من وظائفهم تدبير