شأن الخلائق ، وتنظيم أحوالهم بالطريقة التي يأمرهم ـ سبحانه ـ بها ، فنسبة التدبير إليهم ، إنما هي على سبيل المجاز ، لأن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقضاء الله وتقديره وتدبيره.
والمراد بالأمر : الشأن والغرض المهم ، وتنوينه للتعظيم ، ونصبه على المفعولية للفظ المدبرات. أى : وحق الملائكة الذين يرتبون شئون الخلائق ، وينظمون أمورهم بالطريقة التي يكلفهم ـ سبحانه ـ بها.
وجاء العطف في قوله : (فَالسَّابِقاتِ فَالْمُدَبِّراتِ) بالفاء ، للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها بغير مهلة. وللإيذان بأن هاتين الصفتين متفرعتين عما قبلهما.
وعلى هذا التفسير الذي سرنا فيه على أن هذه الصفات لموصوف واحد ، سار كثير من المفسرين : فصاحب الكشاف صدر تفسيره لهذه الآيات بقوله : أقسم ـ سبحانه ـ بطوائف الملائكة ، التي تنزع الأرواح من الأجساد وبالطوائف التي تنشطها ، أى تخرجها ... وبالطوائف التي تسبح في مضيها ، أى : تسرع فتسبق إلى ما أمروا به ، فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم ودنياهم ، كما رسم الله ـ تعالى ـ لهم ... وأسند التدبير إليهم ـ أى إلى الملائكة ـ لأنهم من أسبابه ... (١).
وقال الشوكانى : أقسم ـ سبحانه ـ بهذه الأشياء التي ذكرها ، وهي الملائكة التي تنزع أرواح العباد عن أجسادهم ، كما ينزع النازع القوس فيبلغ بها غاية المد ، وكذا المراد بالناشطات ، والسابحات ، والسابقات ، والمدبرات ، يعنى الملائكة. والعطف مع اتحاد الكل لتنزيل التغاير الوصفي ، منزلة التغاير الذاتي ، كما في قول الشاعر :
إلى الملك القرم ، وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
وهذا قول الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم ... (٢).
ومنهم من يرى أن المراد بالنازعات : النجوم تنتقل من مكان إلى مكان ، أو الأقواس التي تنزع السهام ، أو الغزاة ينزعون من دار الإسلام إلى دار الحرب ...
ومنهم من يرى أن المراد بالناشطات : الكواكب السيارة ، أو السفن التي تمخر عباب الماء ... وأن المراد بالسابحات والسابقات : النجوم ، أو الشمس والقمر ، والليل والنهار ...
أما المدبرات فقد أجمعوا على أن المراد بها الملائكة.
قال الجمل : اختلفت عبارات المفسرين في هذه الكلمات ، هل هي صفات لشيء واحد ، أو
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٩٣.
(٢) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٣٧٢.