وجمع ـ سبحانه ـ الأفئدة والأبصار ، وأفرد السمع ، لأن القلوب تختلف باختلاف مقدار ما تفهمه مما يلقى إليها من إنذار أو تبشير ، ومن حجة أو دليل ، فكان من ذلك تعدد القلوب بتعدد الناس على حسب استعدادهم.
وكذلك شأن الناس فيما تنتظمه أبصارهم من آيات الله في كونه ، فإن أنظارهم تختلف في عمق تدبرها وضحولته ، فكان من ذلك تعدد المبصرين ، بتعدد مقادير ما يستنبطون من آيات الله في الآفاق.
وأما المسموع فهو بالنسبة للناس جميعا شيء واحد ، هو الحجة يناديهم بها المرسلون ، والدليل يوضحه لهم النبيون.
لذلك كان الناس جميعا كأنهم سمع واحد ، فكان إفراد السمع إيذانا من الله بأن حجته واحدة ، ودليله واحد لا يتعدد.
وقوله : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) صفة لمصدر محذوف ، أى : شكرا قليلا ، و (ما) مزيدة لتأكيد التقليل.
وعبر ـ سبحانه ـ بقوله (قَلِيلاً) لحضهم على الإكثار من شكره ـ تعالى ـ ، وذلك عن طريق إخلاص العبادة له ـ عزوجل ـ : ونبذ عبادة غيره.
ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الثانية أن يذكرهم بنعمة أخرى فقال (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ الرحمن ـ تعالى ـ وحده (هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ).
أى : هو الذي خلقكم وبثكم وكثركم في الأرض ، إذ الذرء معناه : الإكثار من الموجود ..
وقوله : (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) بيان لمصيرهم بعد انتهاء آجالهم في هذه الدنيا.
أى : وإليه وحده ـ لا إلى غيره ـ يكون مرجعكم للحساب والجزاء يوم القيامة.
ثم حكى ـ سبحانه ـ أقوالهم التي تدل على طغيانهم وجهالاتهم فقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
والوعد : مصدر بمعنى الموعود ، والمقصود به ما أخبرهم به صلىاللهعليهوسلم من أن هناك بعثا وحسابا وجزاء .. ومن أن العاقبة والنصر للمؤمنين.
أى : ويقول هؤلاء الجاحدون للرسول صلىاللهعليهوسلم ولأصحابه ، على سبيل التهكم