والاستهزاء : متى يقع هذا الذي تخبروننا عنه من البعث والحساب والجزاء ، ومن النصر لكم لا لنا ..؟.
وجواب الشرط محذوف والتقدير : إن كنتم صادقين فيما تقولونه لنا ، فأين هو؟ إننا لا نراه ولا نحسه.
وهنا يأمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم للمرة الثالثة ، أن يرد عليهم الرد الذي يكبتهم فيقول : (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
أى : قل لهم يا محمد علم قيام الساعة ، وعلم اليوم الذي سننتصر فيه عليكم .. عند الله ـ تعالى ـ وحده ، لأن هذا العلم ليس من وظيفتي.
وإنما وظيفتي أنى نذير لكم ، أحذركم من سوء عاقبة كفركم ، فإذا استجبتم لي نجوتم ، وإن بقيتم على كفركم هلكتم.
واللام في قوله : (الْعِلْمُ) للعهد. أى : العلم بوقت هذا الوعد ، عند الله ـ تعالى ـ وحده.
والمبين : اسم فاعل من أبان المتعدى ، أى : مبين لما أمرت بتبليغه لكم بيانا واضحا لا لبس فيه ولا غموض.
ثم حكى ـ سبحانه ـ حالهم عند ما يرون العذاب الذي استعجلوه فقال : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ).
والفاء في قوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ...) هي الفصيحة. و (فَلَمَّا) ظرف بمعنى حين. و (رَأَوْهُ) مستعمل في المستقبل وجيء به بصيغة الماضي لتحقق الوقوع ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ..).
و (زُلْفَةً) اسم مصدر لأزلف إزلافا ، بمعنى القرب. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ ...) أى : قربت للمتقين ، وهو حال من مفعول (رَأَوْهُ).
والمعنى : لقد حل بالكافرين العذاب الذي كانوا يستعجلونه ، ويقولون : متى هذا الوعد. فحين رأوه نازلا بهم ، وقريبا منهم (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى : ساءت رؤيته وجوههم ، وحلت عليها غبرة ترهقها قترة.
(وَقِيلَ) لهم على سبيل التوبيخ والتأنيب (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) أى : هذا هو العذاب الذي كنتم تتعجلون وقوعه في الدنيا ، وتستهزءون بمن يحذركم منه.
فقوله (تَدَّعُونَ) من الدعاء بمعنى الطلب ، أو من الدعوى.