على المدينة أكثر من مرة ... وهو من المهاجرين الأولين. قيل : مات بالقادسية شهيدا يوم فتح المدائن أيام عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ... (١).
ولفظ «عبس» ـ من باب ضرب ـ مأخوذ من العبوس ، وهو تقطيب الوجه ، وتغير هيئته مما يدل على الغضب.
وقوله (وَتَوَلَّى) مأخوذ من التولي وأصله تحول الإنسان عن مكانه الذي هو فيه إلى مكان آخر. والمراد به هنا الإعراض عن السائل وعدم الإقبال عليه.
وحذف متعلق التولي ، لمعرفة ذلك من سياق الآيات ، إذ من المعروف أن إعراضه صلىاللهعليهوسلم كان عن عبد الله ابن أم مكتوم الذي قاطعه خلال حديثه مع بعض زعماء قريش.
وأل في قوله ـ تعالى ـ : (الْأَعْمى) للعهد. والمقصود بهذا الوصف : التعريف وليس التنقيص من قدر عبد الله بن أم مكتوم ـ رضى الله عنه ـ وكذلك في هذا الوصف إيماء إلى أن له عذرا في مقاطعة الرسول صلىاللهعليهوسلم عند حديثه مع زعماء قريش ، فهو لم يكن يراه وهو يحادثهم ويدعوهم إلى الإسلام.
وجاء الحديث عن هذه القصة بصيغة الحكاية ، وبضمير الغيبة ، للإشعار بأن هذه القصة ، من الأمور التي لا يحب الله ـ تعالى ـ أن يواجه بها نبيه صلىاللهعليهوسلم على سبيل التكريم له ، والعطف عليه ، والرحمة به.
وجملة (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) في موضع الحال ، وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب ، و «ما» استفهامية مبتدأ ، وجملة «يدريك» خبره. والكاف مفعول أول ، وجملة الترجي سادة مسد المفعول الثاني. والضمير في (لَعَلَّهُ) يعود إلى عبد الله ابن أم مكتوم المعبر عنه بالأعمى.
والمعنى : عبس صلىاللهعليهوسلم وضاق صدره ، وأعرض بوجهه ، لأن جاءه الرجل الأعمى ، وجعل يخاطبه وهو مشغول بالحديث مع غيره.
(وَما يُدْرِيكَ) أى : وأى شيء يجعلك ـ أيها الرسول الكريم ـ داريا بحال هذا الأعمى الذي عبست في وجهه (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) أى : لعله بسبب ما يتعلمه منك يتطهر ويتزكى ، ويزداد نقاء وخشوعا لله رب العالمين (أَوْ) لعله (يَذَّكَّرُ) أى : يتذكر ما كان في غفلة عنه (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) أى : فتنفعه الموعظة التي سمعها منك.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٣٩.